من قضايا تجديد الفكر الإسلامي في تونس: قراءة في كتاب "الجمود والتجديد في قوّتهما" للطّاهر الحدّاد
سلمان بن مختار العبدلّي | Salmen El-abdelli
29/03/2019 القراءات: 1337
يُعدّ الطّاهر الحدّاد (1899 ـ 1935) واحدًا من مجموعة كبيرة من رجال الفكر والشّعراء والكُتّاب الّذين تركوا أثرًا جليلًا في الأدب وتاريخ الفكر في تونس. وما يميّز فكر هذا الرّجل كونه آمن بالإصلاح الاجتماعيّ واعتبره شرطًا من شروط النّهضة ومقتضًى من مقتضيات التّنوير والتحرّر في العالم الإسلاميّ، في وقت كان فيه المجتمع التّونسيّ يرزح تحت هيمنة العقل الأصوليّ المغلق الّذي يأبى التحرّر ويرفض النّهوض، ولعلّ أعمق تعبيراته نجدها ماثلة إلى يوم النّاس هذا. لقد كان الحدّاد جادّا في طرح مواقفه من نصوص التّراث الّتي جعلها الكثيرون مُتّكأً لهم يُسيطرون من خلالها على حياة المسلم في كلّ جزئيّاتها، فلم يتركوا مجالاً من مجالات الحياة إلّا وكان لهم فيه رأي. فضلًا عن كونه امتلك الجرأة في إبداء الرّأي وعدم التردّد في كشف المغطّى وإثارة المسكوت عنه والانفكاك من أسر الأُطر المغلقة الّتي تتحمّل في رأيه وزر التخلّف والانحطاط بما أشاعته من اعتقادات عطّلت العقل عن التّفكير والنّظر وغلّبت الأيدي عن الفعل والحركة[1]. ولأنّ "الفطام عن المألوف شديد والنّفوس عن الغريب نافرة" كما قال الغزالي (ت505 هــ / 1111 م) لم يترك معاصرو الحدّاد وقتًا إلّا وحاربوه فيه معتبرين أنّ مشروعه الإصلاحيّ زندقة يُراد بها حرب هذا الدّين وتعويضه بالمدنيّة الغربيّة. وعلى قدر وضوح فكر الطّاهر الحدّاد وقع التّعتيم على اهتماماته الفكريّة، فلم تتعرّض له الدّراسات المُتعلّقة بالتّجديد في البلدان العربيّة عمومًا ــ إن سمح التّعميم ــ والبلاد التونسيّة على وجه الخصوص، غير أنّ التّجاهل الّذي لاقاه الحدّاد والمضايقات الّتي تعرّض لها بسبب مواقفه انحصرا في السّنوات الأخيرة من عمره، ولا سيما بعد صدور مصنّفه "امرأتنا في الشّريعة والمجتمع" (1930) الّذي أثار غضب رجال الدّين في تونس وفقهاءها. بالإضافة إلى هذا المنجز الثّقافيّ، برزت في المدّة الأخيرة على السّاحة الثقافيّة والأكاديميّة نسخة لمخطوط كانت قد تركها الحدّاد قبل وفاته عند أحد مقرّبيه، فتولّى "مجمع بيت الحكمة" برئاسة الدّكتور عبد المجيد الشّرفي تحقيقها ومن ثمّ نشرها خلال السّنة الجارية 2018، وهو كتاب صغير الحجم ـ مقارنة بالأثر الأوّل ـ يحتوي على 37 صفحة وقد وُسم بــ "الجمود والتّجديد في قوّتهما". وفيه قد جمع الحدّاد بين النّقد والتفكّه على ما آل إليه الفكر الدّيني من جمود وانحطاط في تلك الفترة (ثلاثينيات القرن الماضي) وفي ذلك يقول الأستاذ الشّرفي: "و سيكتشف القارئ »للجمود والتّجديد في قوّتهما« أسلوبًا جديدًا للحدّاد لا يخلو من السّخرية. ولئن بدا لأوّل وهلة في استعراض المُؤلّف لحجج الجامدين أنّها حُجج قويّة دامغة فإنّ تقديم حجج المُجدّدين إثرها لا يترك مجالًا للشكّ في أنّ ما بدا في أوّل الأمر قويّا أوْهَى في الحقيقة من بيت العنكبوت"
الحدّاد، تشريع، المرأة، التجديد، الجمود
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف