مدونة خالد بن فتحي بن خالد الآغا
بلوغ النهاية رهن بصحة البداية، من أين ينبغي أن نبدأ؟
خالد فتحي خالد الآغا | Khaled Fathi khaled Alagha
18/08/2020 القراءات: 3179
فمن العجب أن الإنسان وهو جرم صغير في هذا الكون الفسيح قد أُوتي القدرةَ على التصوُّر الكُلّيِّ لهذا العالم بما وهبه الله من آلات المعرفة للمُشَاهَدِ من الكون، وبما أَوْحى إليه من العلم لما غاب عنه منه، والإنسان لا يمكنه أنْ يفهم موقعه من الكون ويَعِيَ دوره على حقيقته دون هذا التصور الكلي، فالعلم الكلي، والإدراك الكلي، والفهم الكلي، والتصور الكلي، كل ذلك مفاتيح لإدراك الجزئيات وفهمها، بدءا من إدراك الإنسان لذاته، وإدراكه لطبيعة العلاقات التي تربطه بجنسه من البشر من جهة، وبالكون الذي هو جزء منه من جهة أخرى، وبخالق الكون من جهة ثالثة.
هذه القاعدة قاعدةٌ ضرورية في جميع فروع العلم والمعرفة، سيان منها العلوم النظرية أو العلوم التطبيقية، وقد تكون هذه القاعدة حاضرة نظريا لكنها تغيب عند التطبيق، على أن غيابها يولِّد آثارا أقلها التّيهُ في بيداء الحَيْرَةِ ومضايق الجدل، وإن شئت أضفت إلى ذلك قصورَ النظر عن بلوغ الغاية، وانحسارَ الفكرة دون التطلع إلى المهمات، وفتورَ الهمة عن طلب المعالي من الأمور، وغير ذلك من الآثار
ثمة أمثلة كثيرة لإغفال هذه القاعدة لا بد لنا من الحديث عنها، ويتعين علينا الوقوف عندها طويلا، تتجلى في مستويات مختلفة من حياتنا النفسية والفكرية والمنهجية، كما تتجلى على مستوى الفرد والمجتمع والأمة، وتمتد عبر مساحات واسعة من الزمان والمكان، ولأجل ذلك كان لها تأثيرات بالغة الأهمية في تشكيل الوعي ورسم الحاضر، وبالضرورة إذن سيكون لها تأثير في خطة المستقبل
ربما نحتاج إلى تفكيك بعض المفاهيم وإعادة بنائها من جديد، لأن المفاهيم هي المادة الأساسية التي تصنع الوعي، والوعي من ثم هو الذي يعيد تشكيل البناء، وهذا هو أحد الأعمدة الرئيسة في المشروع الحضاري الإسلامي
هذا المنهج الكلي كما أنه ضروري لبناء العلم والمعرفة؛ فهو ضروري لبناء الإنسان كذلك، وعلى قدر استيعاب هذا المنهج يكون بناء الإنسان ودورُه في الحياة، ومن ثم فإن له جملةً من الأسس:
- الغاية الكبرى: وهي التي تشكل القاعدة الأساسية للتصور
- الأهداف الكلية: وهي التي تبين مراحل الوصول إلى الغاية الكبرة
- العموم والشمول: لأن بلوغ الغاية لا يكون إلا بمجموع الوسائل
- وبيان معالم الطريق: لأن فقدانها إهدار للجهد والوقت
- وضمان الوصول إلى المطلوب: ولا ضمان إلا بصحة الوسيلة وسلامة القصد
المعلم والملهم الأول لهذا المنهج هو كتاب الله تعالى، فحين أردت أن أكتب فاتحة هذه المدونة فكرت مليا فيما ينبغي أن أبدأ به، خاصة وأنني أهدف من خلالها إلى بناء شبكة معرفية تكشف عن مدى سعة المشروع الحضاري الإسلامي، بناءٍ يُجَلّي الأبعاد الحقيقية لهذا المشروع، ويَسْبُرُ غورَه لا في التنظير فحسب؛ بل في التطبيق أيضا، وأقرب ما يمكن أن يعبر عن هذا هو مفهوم (السياسة الشرعية)، غير أن هذا المفهوم – لأسباب كثيرة – قد عرض له ما عرض لغيره من المفاهيم، فكما انحسر مفهوم المفردين (السياسة) و (الشريعة) في الأذهان والواقع؛ انحسر كذلك مفهوم المركب (السياسة الشرعية)، وإلا فالواجب أن يتسع هذا المفهوم ليشمل المشروع الحضاري الإسلامي المستغرق للزمان والمكان، لا أن يُوقَفَ به على بعض تجليات هذا المشروع ومظاهره.
رأيت الكتاب العزيز قد بدأ بأم الكتاب، فأجمل فيها مقاصده التي فصلها فيما سواها، وبدأ الفاتحة بالبسملة التي تضمنت الإشارة إلى الغاية الكبرى، ثم أجمل فيها المراحل الموصلة إليها، وأبان ما في الطريق من صُوَىً ومنارات، وضمن سلامة الوصول لمن لزم الطريق، هذا النهج يتفق مع رسالة الإسلام، ومع الدور المنوط بالإنسان قطْبِ الرحى في هذا الوجود.
الإدراك، التصور، الكلي، الجزئيات، الفكر، السياسة، الشرعية، المعرفة، الغاية، العموم، القصد، مقاصد
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع