مدونة د.خديجة خيري عبد الكريم خيري


المسلمون المنصرون (الموريسكيون): أقلية مسلمة في اسبانيا

د.خديجة خيري عبد الكريم خيري | Dr. Khadiga khairy Abdalkareem khairy


02/05/2020 القراءات: 2841  


في اليوم الثاني من يناير سنة 1492م سلمت مفاتيح غرناطة- آخر معاقل المسلمين في الأندلس - لملكي قشتالة و أراغون (فرناندو الخامس وايزابيلا)، وذلك بموجب معاهدة كفلت للمسلمين من الشروط ما يمكنهم من التعايش بسلام مع النصارى الاسبان، حيث ضمنت لهم سلامة أرواحهم ومملكاتهم والسماح لهم بممارسة شعائرهم وغيرها من الشروط التي تؤكد مدى حرص المسلمين على تأمين أنفسهم، حيث لم يُغفلوا مسألة تخص حقوقهم إلا وأكدوا عليها، أضف إلى ذلك أن الملكين تعهدا بأن الاتفاقية ملزمة لهما ولخلفائهما من بعدهما. وبعد مضي عدة سنوات تبين لمسلمي الأندلس عامة و غرناطة بصفة خاصة أن تلك الوعود (اتفاقية تسليم غرناطة) لم تكن إلا وعودا كاذبة لا صدق فيها، ومن ثم فقد قامت علاقات المسلمين بالنصارى في اسبانيا على أساس واضح من عدم الثقة المتبادلة بين الجانبين، فهذه الوعود التي لم تنفذ من قبل الاسبان، وما أحدثته من آثار؛ هي التي كونت تاريخ الموريسكيين خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي(العاشر والحادي عشر الهجري). و تاريخ الموريسكيين في اسبانيا مليء بشتى صنوف الاضطهاد الديني والعنصري، فابتداء من سنة (905هـ/1499م) عمدت السلطات الاسبانية( أبان عهد الملكين الكاثوليكيين) إلى فرض التنصير القسري على مسلمي مملكة غرناطة، وحظرت عليهم كل ما منح لهم من حقوق بموجب (معاهدة تسليم غرناطة)، حيث بلغ الأمر تحويل المساجد إلى كنائس، ومصادرة الكتب الإسلامية العربية، ومن ثم إحراقها. فدفعت تلك السياسة - التي انتهجها الملكان- المسلمين للقيام بالثورة، فكانت انتفاضة البيازين (من أحياء مملكة غرناطة) (905هـ/1499م) وثورة البشرات الأولى(منطقة جبلية في غرناطة)(907هـ/ 1501م)، وإزاء تلك الثورات صدر سنة(908هـ/1502م) مرسوم أعلن فيه ضرورة اعتناق جميع المسلمين المتواجدين في مملكة قشتالة للديانة النصرانية أو الرحيل عن اسبانيا، وتوالت مراسيم التنصير في الأعوام التالية، وبموجبها عرف مسلمو الأندلس الذين قبلوا باعتناق النصرانية بالموريسكيين، وتعني صغار النصارى أو النصارى الجدد كتمييز لهم عن النصارى القدامى، وكان هذا أول تمييز عنصري لحق بهم. ولم يتوقف اضطهاد الموريسكيين عند هذا الحد، بل عمد الملوك الكاثوليك إلى إصدار قرارات للتضييق عليهم والحد من وجودهم في اسبانيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر الملك فيليب الثاني مرسوما( قانونا) سنة(973هـ/1566م) يحرم على موريسكيي غرناطة التخاطب باللغة العربية، وارتداء الثياب العربية، وإقامة الاحتفالات على الطريقة الإسلامية ..... ونتيجة لسياسات الاضطهاد هذه التي مارستها السلطات الاسبانية ضد الموريسكيين قامت (ثورة البشرات الثانية)(976هـ/1568م)، واستمرت لأكثر من سنتين، وكانت بمثابة المقاومة العسكرية الأخيرة لمسلمي الأندلس في وجه السياسات الاسبانية القمعية، إلا إنها لم تكلل بالنجاح، وترتب عليها صدور مرسوم سنة (978هـ/1570م) الذي قضى بترحيل كثير من موريسكيي مملكة غرناطة وتوزيعهم على أنحاء مملكة قشتالة، و مصادرة أملاكهم وعقاراتهم. وهكذا عاش الموريسكيون في المناطق التي فقدوها مضطرين للتظاهر بالنصرانية ولكنهم كتموا إيمانهم، وأقاموا شعائرهم الإسلامية بصورة سرية واستخدموا اللغة الالخميادية Aljamiado(لغة اسبانية مكتوبة بحروف عربية)، بعد أن منعوا من استعمال اللغة العربية، واستخدموا تلك اللغة في كتابة كل ما أرادوا حفظه؛ من تعاليم الإسلام، و سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمدائح النبوية وقصص الأنبياء، وبعض كتب الفقه والحديث والتفسير... وقد استطاع الموريسكيون-على مدى قرن وربع من الزمان- من الصمود في وجهة السياسات الاسبانية الرامية إلى إبادة شعبٍ بكامله عن طريق التقتيل والتهجير والحرق والاستغلال البشع والنفي القسري، وكان ذلك هو أخر فصول مأساة المسلمين في اسبانيا (بعد زوال سلطانهم)، بدأ طرد الموريسكيين سنة1609م واستمر حتى أعلن الملك فيليب الثالث في العشرين من فبراير سنة1614م اكتمال عملية طرد الموريسكيين وإنهاء الوجود الإسلامي، بعد تسعة قرون وثلاث سنوات من دخول الإسلام لشبه الجزيرة الأيبيرية.


الموريسكيون - الأندلس- التنصير - الطرد.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع