مدونة د.خديجة خيري عبد الكريم خيري


الأسرة الموريسكية:نشأتها، وملامحها

د.خديجة خيري عبد الكريم خيري | Dr. Khadiga khairy Abdalkareem khairy


09/06/2020 القراءات: 2942  


الأسرة في المجتمع الإسلامي- وفي أي مجتمع تقليدي- هي نواة المجتمع وعماد حياة أفرادها، تنشأ فيها روابط الأمومة و الأبوة و البنوة والقيم و الأخلاق.... لذا أولى الإسلام عناية كبيرة لتكوينها، و أكد على دورها المحوري في عملية التربية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه...." ونظرا لبنية الأسرة المسلمة - التي خصها بها الإسلام، والتي تختلف عن بنية الأسر النصرانية - كانت علامة من علامات الهوية للموريسكيين، فكيف نشأت الأسرة الموريسكية؟ و ما هي أهم ملامحها؟ الأسرة الموريسكية أسرة مسلمة نشأت بزواج موريسكي من موريسكية ، وذلك إن نظام الموريسكيين العائلي يقضي بالتزاوج فيما بينهم، وذلك من اجل المحافظة على الهوية الإسلامية. استمدت الأسرة الموريسكية تنظيمها من تعاليم الإسلام ، كما حرص أفرادها على تطبيق تلك التعاليم، ورغم قلة المعلومات المتوفرة عن تنظيم الموريسكيين الأسري إلا انه ومن خلال ما توفر نستطيع إن نحدد ملامحها العامة، والتي تبرز من خلال علاقة أفرادها ببعضهم البعض، وعلاقتهم بمجتمعهم الذي ينتمون إليه. ففي ما يتعلق بالعلاقة بين أفراد الأسرة الموريسكية، نجد ان الأبوين قد حرصا على تنشأت أبنائهما على الإسلام منذ ولادتهم، وتلقينهم مبادئ دينهم، وفي قضايا محاكم التفتيش ما يؤكد على ذلك، ومن تلك القضايا، شهادة ابنة ضد والدها ترجع لسنة 1593م، أدلت فيها بمعلومات تؤكد فيها حث والديها لها بالصلاة والوضوء والصيام، و إجبارها على ذلك. وفي ذلك دلالة واضحة على حرص الابوين لتعليم ابنتهما فرائض الصلاة وقواعد العقيدة، وعدم رغبة ابنتهما في تطبيق تلك الفروض، وهذه القضية ليست الوحيدة من نوعها، فهناك وضمن سجلات محاكم التفتيش العديد من القضايا التي وشى فيها احد أفراد الأسرة بأسرته. ولما كانت محاكم التفتيش واعية وعيا تاما باهمية وتماسك الاسرة الموريسكية ودورها في الحفاظ على هوية الموريسكيين الاسلامية، فقد سعت وبكل الوسائل الى تفكيك تلك الاسرة وانهاء دورها في المجتمع الموريسكي، فمثلا كانت محاكم التفتيش تحاول التجسوس على الموريسكيين من خلال ابنائهم الصغار الذين كانوا يتلقون تعليمهم في كنائس محاكم التفتيش حيث كانت تستجوبهم عن سلوك اباءهم وان كانوا يؤدون عباداتهم الاسلامية، الامر الذي جعل الموريسكيين يبذلون جهدا خاصا لابقاء اطفالهم مسلمين وذلك بتعليمهم تعاليم الاسلام بكل سرية. ولعل المخطوط المنسوب الى الموريسكي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي (ت:1052هـ/1642م) يوضح كيفية تلقيه لتعاليم الإسلام سرا وهو في السنة السادسة من عمره على يد والده حيث يقول: " اطلعني الله تعالى على دين الإسلام بواسطة والدي – رحمه الله تعالى عليه-، وانا ابن ستة أعوام واقل، مع اني كنت اذ ذاك اروح إلى مكتب النصارى لأقرا دينهم، ثم ارجع إلى بيتي، فيعلمني والدي دين الإسلام، فكنت اتعلم فيهما معا، وسني حين حملت إلى مكتبهم اربعة اعوام" . ثم يضيف واصفا الكيفية التي تعلم بها الحروف العربية وفي ذلك يقول:"فأخذ والدي لوحا من عود الجوز كأني انظر إليه الان مملسا من غير طفال ولا غيره، فكتب لي فيه حروف الهجاء وهو يسألني، حرفا حرفا، عن حروف النصارى تدريبا وتقريبا، فإذا سميت له حرفا اعجميا، يكتب لي حرفا عربيا فيقول لي حينئذ:"هكذا حروفنا" حتى استوفى لي جميع حروف الهجاء في كرتين، فلما فرغ من الكرة الأولى، أوصاني إن اكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي و أخي وجميع قرابتنا، وامرني أن لا اخبر من الخلق، ثم شدد على الوصية، وصار يرسل والدتي إلي، فتسألني وتقول:" مالذي يعلمك أبوك؟" فأقول لها: "لا شيء" فتقول اخبرني بذلك ولا تخف، لاني عند الخبر بما يعلمك" فأقول لها:" ابدا ما هو يعلمني شيئا" وكذلك كان يفعل عمي و أنا أنكر اشد الإنكار، ثم أروح إلى مكتب النصارى واتي الدار، فيعلمني إلى ان أمضت(هكذا) مدة، فأرسل إلى من إخوانه في الله الأصدقاء ويسألوني، فلم اقر لا حد قط بشيء مع انه- رحمه الله تعالى- قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن اخبر بذلك عنه، فيحرق لا محالة؛....." . ولم يقتصر تعليم الأطفال - داخل الأسرة- لمبادئ دينهم على الأب فحسب بل كان للام دورا أيضا، وذلك أنها كانت تحرص على تلقين أبنائها المعتقدات والشعائر الإسلامية، فمثلا كانت تحرص على تجنيبهم كلما يتصل بلحم الخنزير في اطعامهم. وقد تميزت علاقة الاسرة بمجتمعها الموريسكي بالتواصل المستمر بين الأقارب والجيران و الأصدقاء رغبة في المحافظة على الهوية الإسلامية. ومرة ثانية يوضح لنا ابن عبد الرفيع، نوع تلك العلاقة في قوله:" فلما رأى(يعني والده) حزمي مع صغر سني، فرح كثيرا غاية الفرح وعرفني بأصدقائه وأحبابه إخوانه في دين الإسلام؛ فاجتمعت بهم واحدا و احدا وسافرت الأسفار لاجتمع بالمسلمين الاخيار ....." وهكذا كانت جهود الموريسكيين منصبة نحو الحفاظ على هويتهم الاسلامية وذلك عن ممارسة شعائرهم الاسلامية سرا داخل المجتمع النصراني. فهم ومنذ ان فرض التنصير عليهم سنة1502م، وحتى طردهم سنة1609م، فكانوا يصومون ويصلون في الخفاء، ويدل على ذلك تعقب محاكم التفتيش لهم والقضايا والشهادات المدلى بها ضد من اتهم بممارسة تلك الشعائر الاسلامية.


المجتمع-الأسرة- الموريسكية- تعاليم-الإسلام.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع