متلازمة الدعاء في رمضان مع التدبر في القرآن المنزل على النبي محمد
د. فاضل يونس حسين | doctor fadhil youns
07/04/2023 القراءات: 1767
حينما يتجرد ذهن المسلم من الأفكار المسبقة ينفتح له باب إلى الإبداع في التعلم والتعليم.
وهذه مسطرة تصلح لقياس جميع صنوف العلوم والمعارف والآداب والفنون.
إننا في الشهر الفضيل نغتنم فرصة فتح ذلك الباب نتيجة خلو الفكر من شهوة الطعام والشراب وما يلحق بهما. كيف لا ينفتح ذلك الباب فيه؟! وهو: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. نعم أنزل القرآن العزيز جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العز في السماء الدنيا، ثم تتابع نزوله منجّمًا على قلب محمد ﷺ حسب الوقائع والأحداث والنوازل.. فكلما احتاج المسلمون إلى معرفه حكم شرعي نزل أمين الوحي جبريل عليه السلام بآي فيها جواب ذلك السؤال، وقد استمر ذلك ما يقرب من (23) سنة حتى توفي سيدنا رسول الله ﷺ، فانقطع الوحي.
إن هذا ليجلي لنا بوضوح السر في تكرار لفظ {يَسْأَلُونَكَ} في القرآن الكريم في مواضع عدة. ولكن الذي يلفت الانتباه هو ما شذ عن هذه الصيغة {يَسْأَلُونَكَ} وهي حالة واحدة لا غير، ألا وهي {وَإِذَا سَأَلَكَ عبادي عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لي وَلْيُؤْمِنُواْ بي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. فسره القشيري (ت: ٤٦٥ هـ) في "لطائف الإشارات" بقوله: أي إذا سألك عبادي عني فبماذا تجيبهم؟ ليس هذا الجواب بلسانك يا محمد، فأنت وإن كنتَ السفيرَ بيننا وبين الخلق فهذا الجواب أنا أتولاه «فَإِنِّي قَرِيبٌ». (رفع الواسطة من الأغيار عن القربة، فلم يقل: قل لهم إني قريب، بل قال جل شأنه: فإني قريب).
والآن أسعى حثيثا ما استطعت إلى ذلك سبيلا في عقد علاقة بين ما يأتي: -
1. القرآن الكريم.
2. من تنزل عليه.
3. وقت نزوله.
4. هدفه الأساس في كلمة واحدة. (التوحيد)
في هذا المربع
• فالقرآن كلام الله تعالى، وهو الكتاب المنزل، ودستور البشرية قاطبة.
• ومحمدك الرجل الذي اصطفاه الله تعالى لتبليغ تلك الرسالة القرآنية.
• ورمضان شهر النزول. (وليلة القدر "بنت هذا الشهر"، التي تستقي فضلها من اسمها، فهي ذات القدر العظيم، خير من ألف شهر، وهو مده تزيد على ثمانية عقود من الزمن، وهي عمر مثالي للإنسان.
• والتوحيد صلب تلك الرسالة القرآنية.
ذلك لأن الله سبحانه هو الخالق، ويجب أن يعرف ويشكر ويطاع، وكأن الإنسان صناعة إلهية، والله تعالى الخالق البارئ المصور، يجب ثم يجب على الإنسان المخلوق المشرف والمكرم أن يعرف ربه الذي خلقه وبراه وصوره، وأنعم عليه، في شعار الكون الخالد: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله).
وعلاقة "القرآن" بـ "محمد" علاقة تلازمية لا انفكاك بينهما، فالمصحف قرآن صامت، ومحمد قرآن ناطق، يمشي على الأرض، تتجسد فيه مبادئه وقيمه الشريفة.
وفي رمضان نجد هذا الإنسان - بأبي هو وأمي، صلوات الله عليه وسلامه- منشغلا كليًّا مشتغلا دائمًا بتلاوة القرآن وترتيله ليل نهار صباح مساء.. والقرآن خلقه ﷺ، فقد "كان خلقه القرآن". كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.
يقول ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»
إن رمضان بحق مسرح زمني للرسول ﷺ في تلاوة القرآن بقلب فارغ مما سوى الله تعالى، وهو التوحيد الخالص الكامل، فلن تجد في قلبه ﷺ أحدا غير الله، وما أحوجنا أن نكون على أثره المبارك.
إن التوحيد يُلزم المسلم الذي أسوته الرسول أن يدعو الله لا غير، فالدعاء مخ العبادة.. لكن كيف يدعو؟ بصوت عالٍ، أم بهمس؟ أم ماذا؟ إن هذا عين ما سأله الصحابة من معلمهم الأسوة الحسنة، فنزل قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ ...} الآية؛ ولذلك جاءت هذه الآية في سورة البقرة ضمن آيات الصوم، الذي كتبه الله وفرضه وشرعه لكي نتقي، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
والصوم مدرسة، وميدان للتربية الروحية. ومنهج وقائي يستثمر في تنظيف الجسم وتخليصه من السموم المتشكلة من سوء التغذية، والإسراف في ذلك.
إنه مربٍّ ونعم المربي، من الدرجة الأولى بل الطراز الأول، في تعليم الصائم وتدريبه على الصبر، والتحمل، بترك الشهوات التي تطغى عليه في غير أيام الصوم غالبًا، ويأتيه الصبر منحة وهبة حين يتلو القرآن الكريم بالتدبر والتأمل لصفاء نفسه، و لقربه من ربه عز وجل، فالصائم يكون قريبًا من الله تبارك وتعالى، بحيث يكون محلا لفيوضات الرحمة ، ويستجاب له، فيما علمنا البشير النذير ﷺ، حيث قال: «ثَلَاثٌ لَا يُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَإِمَامٌ عَادِلٌ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَوَاتِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ بَعْدَ حِينٍ» ( ). وجاء في حديث أنس: «ثلاث دعواتٍ لا تردُّ: دعوةُ الوالد، ودعوةُ الصائم، ودعوةُ المسافر» ( ).
والله تعالى تولَّى مكافأة الصائم بذاته العلية، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».
و «خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». بالفتح والضم.
أجل في رمضان يتلو الصائم القرآن متأسيًا بالحبيب، ويدعو ربه فيسمع ويجيب.
«اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ».
«ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
رمضان- الدعاء- محمد (صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يرجى من الإخوة القراء إبداء ملاحظاتهم، فإنها لا شك تثري المقال، وتصوب له مسيره
يقول الله تبارك وتعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ} [ الزمر:17- 18]... وكذلك الحال مع الذين ينشغلون بالقراءة، فكما أن الأذن تكافأ بالسماع ، فكذلك العين تكافأ بالنظر في المقروء.
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة