أثر البيئة في تغيير طِباع النساء _نساء مكة أنموذجاً _
د. نكتل يوسف محسن | Dr. Naktal yousif mohsen
13/03/2020 القراءات: 4784
تُؤثر البيئة المحيطة بالأنسان تأثيراً مباشراً فيه ، فتعمل على صياغة أفكاره وترسيم طرق تعاملهُ وتفاعلهُ مع الأخرين ، فالبيئة الخضراء الريفية ذات الزروع والحدائق تدفع بأتجاه لين العريكة وسهولة التعامل ، وعلى العكس من هذا فأن البيئة الجرداء تعطي على الأغلب أنطباعاً جافاً في التعامل يتماشى مع جفاف الصحراء المحيطة بها .
وقد ألقى هذا الواقع بظلاله على النساء وطِباعهن ، إذ عُرف أهل مكة بحدية التعامل مع النساء وتضييق مستوى إبدائُهن للرأي ، وهو أمراً يتوافق مع طِباع أهل مكة ويتناغم مع بيئتها ، وعلى النقيض من هذا فأن تعامل أهل المدينة كان يتسم باللين والتغاضي وإعطاء مساحة واسعة لهن في إبداء الرأي وإعطاء المشورة ، ولأن التأثير والتأثر صفة سارية في البشر ، فقد تأثرت نساء مكة بنساء المدينة وأخذن من أدبهن ، فتركن طِباعهن السابقة مع ما تركنهُ في مكة من متاع وذكريات ، وأقبلن على طِباع جديدة راقت لهن فالتزمنها و تعاملن فيها ،فقد أُثر عن الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قوله : (( كُنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نسائهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على إمرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ))[البخاري – الصحيح الجامع] .
إن من يتفحص النص السابق يجد فيه ما يؤيد فِكرة البحث ويعزز من موقفها ، إذ أن زوجة الفاروق قد راجعته – أي أبدت رأيها في أمر معين – وهو لم يكن معتاداً لهذا الشيء من قبل ، لذا فقد أستخدم كلمة (صخبت) وهي مفردة عالية التعبير تدل على : ((الصياح والجلبة وشدة الصوت وأختلاطه )) [ابن منظور – لسان العرب] ، مع أن المراجعة في الأمر قد خلى من الصياح والجلبة ، وأقتصر على إبداء الرأي ، ولكن ما حمل الفاروق على أستخدام هذه المفردة عدم أعتياده على أبداء نسائه للرأي ، وهو من هو حزماً وصلابة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بررت الزوجة هذا الصنيع على أنه قد أصبح سلوكا عاماً عند النساء المسلمات (المكيات والمدنيات) على العموم ، في مجتمع المدينة فضربت له مثلاً يعزز من موقفها بقولها : أن أزواج النبي لا يراجعنه فقط بل يهجرنه ، وهو تعبير واضح على ما وصلت إليه التغييرات الجوهرية في المدينة المنورة بعد سنوات قليلة من المكوث فيها .
وهو ما يُعطي مثال واضح للتغيير الجذري في تعامل النساء مع أزواجهن في المدينة وقيمة التاثير والتاثر بينهن ، وهو أمراً ليس فيه حرج أذا ما خلى من التجاوز على حقوق الزوج وثوابته .
قسم مجتزئ من رسالتي للماجستير (( الحياة اليومية للمسلمين في المدينة المنورة في عصر الرسالة من 1-11هـــ ))
النساء، البيئة، التغيير، المدينة، مكة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة