الدار الكبيرة وتحول المجتمع
يوسف الحزيمري | Youssef El hzimri
19/12/2021 القراءات: 1688
لقد طرأت تحولات كبرى على مجتمعاتنا الإسلامية، أدت إلى اختلال مفهوم الأسرة الخلية المكونة للمجتمع، وتحولت معها العلاقات الاجتماعية المبنية على الزوجية والمصاهرة والقرابة، إلى علاقات لا يقرها الشرع، أدت إلى انفكاك الأجيال بعضها عن بعض، وبالتالي افتقاد عملية التطبيع الاجتماعي التي تقوم بها الأسرة للجيل الجديد.
في حين كنا نسكن في الدار الكبيرة التي تتكون من الجد والجدة والأب والأم والأولاد، وأحيانا بعض أفراد العائلة مثل الأعمام والأخوال، حيث تجتمع ثلاثة أجيال تحت سقف واحد، تربطها علاقات شرعية متينة ومتماسكة، يتم خلالها نقل جوهر الثقافة والهوية الإسلامية "إذ يقوم الأبوان بغرس العادات والتقاليد، أو المهارات الفنية، والقيم الأخلاقية في نفس الطفل، وكلها ضرورية لمساعدة العضو الجديد للقيام بدوره الاجتماعي والمساهمة في حياة المجتمع"[1] وكذا "تهيئة المناخ الاجتماعي والثقافي الملائم لرعاية وتنشئة وتوجيه الأبناء"[2]
وكنت تجد البناء بدوره مساعدا على احتواء هذه الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة، وهو ما يسمى (بالدار الكبيرة)، التي لم يعد لها وجود مادي في التصاميم الهندسية للأبنية المعاصرة، فبالكاد تجد أسرة متكونة من زوج وزوجة وفي الغالب إبن وإبنة، تحت سقف منزل لا تتعدى مساحته خمسون مترا مربعا(50م2)، فلا مكان للأب والأم إلا في دور العجزة.
وإن كان هذا الأمر ساهمت فيه عوامل اقتصادية بحتة، والنمو الديمغرافي المتزايد، إلا أن المشكل الأساسي هو في تغير مفاهيمنا عن الأسرة من المنظور الإسلامي، والمقاصد السامية التي انبت عليها، وكذا العلاقات المبنية على التكافل والرحمة، و"المرحمة ملاك صلاح الجامعة الإسلامية"[3] كما عبر عن ذلك الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله.
إننا نعيش في عصر "تتعرض فيه الأسرة إلى تحديات خطيرة من شأنها لو بلغت إلى منتهاها أن تصل بها إلى الإنهيار الكامل، فمن العزوف عن تأسيس الأسرة أساسا.. إلى الاستهتار في بنائها بما ينافي الفطرة التي تقتضي تكوينها من الذكر والأنثى حتى ظهرت بوادر للأسرة المثلية..إلى الزهد في إنجاب ثمراتها من الذرية فتفشت ظاهرة الإجهاض..إلى تحطيم القواعد والقيم التي تنظمها فارتخت الروابط وضعف البناء، وانتهى الأمر في العديد من المجتمعات إلى ظواهر سلبية مؤذنة بمصير الأسرة إلى العقم في أداء دورها المجتمعي بل إلى انتهاء وجودها"[4]
إذا قلنا بأن الأسرة في المجتمعات الإسلامية، تتعرض لأبشع حرب مفاهيمية، فلن نكون مجانبين للصواب، أو أننا نختبأ تحت مظلة نظرية المؤامرة، فالواقع مشاهد ولا ينبغي أن نغطيه بالغربال.
الهوامش:
1. الأسـرة ومشكلاتها، محمد حسن، دار النهضة العربية، بيروت/لبنان،1981م، (ص:02).
2. مدخل إلى رعاية الطفل والأسـرة، محمد متولي قنديل، صافي ناز شلبي، دار الفكـر، عمـان/الأردن،2006م، (ص:28).
3. تفسير التحرير والتنوير (30/ 361).
4. تفعيل المقاصد في مجال الأسرة، مجلة الأمة الوسط، العدد السابع، غشت 2016، (ص:5).
الأسرة - الدار الكبيرة- تحول- المجتمع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع