مراحل النهوض بالاقتصاد الصيني (الجزء الاول)
احمد عمران كرواط | Ahmed Omran Karwat
10/10/2020 القراءات: 3489
يتصف الاقتصاد الصيني بالوفرة الاقتصادية من خلال اعتماده على الكثير من المقومات الطبيعية والمؤسسات والقطاعات الاجتماعية المميزة التي لعبت دوراً مهما في بناء استراتيجيات تم تنفيذها لتسير اقتصاده، ولأهميتها يمكن الإشارة أولاً للمراحل التاريخية التي هي صاحبة انطلاق الصين اقتصادياً. عاشت الصين في ظل نظام اقطاعي لأكثر من (2000 سنة)، وبدأت التغييرات الاقتصادية عندما تعرضت إِلى اعتداءات خارجية متعاقبة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكانت حرب (الأَفيون الأَولي) في سنة (1840-1842) من أَكثر الحروب تأثيرا في إِضعاف المجتمع الإِقطاعي، حيث كانت نقطة تحول جذرية من مجتمع إِقطاعي إِلى مجتمع شبه إِقطاعي يتضمن مزيجاً من تطبيقات الرأسمالية الصناعية الاحتكارية تحت قيادة القطاع الخاص. كانت هذه المرحلة هي السبب في تطوير الانماط الفكرية التي تطلب التغيير نحو المشاريع الحرة، بدأ بعض التجار وملاك الأراضي الصينيين في وضع أموالهم في استثمارات صناعية، وأصبحت تلك الصناعات أَول المشاريع التي أنشأتها الصين، حينها واجهت هذه الصناعات منافسة قوية من قبل المشاريع الأجنبية التي كانت تتمتع بامتيازات خاصة أَقرتها المعاهدات، وتحولت هذه الصناعات فيما بعد إِلى مشاريع رأسمالية أَجنبية أَضعفت الإِنتاج الصيني عن طريق فتح الموانئ بدون ضوابط، وتوسيع الاعتماد على القروض، نجم عنها إغراق السوق الصيني بالبضائع الخارجية، تسبب في انخفاض حاد في الأسعار، وزيادة البطالة، مما أدى إِلى فقدان العديد من الوظائف؛ الأَمر الذي جعل الفقر في الصين حالة عامة في أوائل القرن العشرين، عندها تنادت مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يعانون من ويلات التخلف في جميع الأصعدة، وقاموا بثورة سنة (1911) بقيادة (صن يات تسن) أدت إِلى الإِطاحة بنظام الإِمبراطوري الذي استمر لأَكثر من (2000 سنة)، وتم الإِعلان عن جمهورية الصين. اعتمد (صن يات تسن) استراتيجية دمج رأسمالية الدولة من خلال التركيز على جعل جميع المشروعات التي يمتلكها الصينيون والأجانب، تكون تحت سيطرة الدولة، ولا يسمح للأشخاص بتنظيمها، وذلك لمنع رأَس المال الخاص من الاحتفاظ بمشاريع ضخمة واحتكارها. وبحلول سنة (1927) عندما تولى حزب (الكومنتانغ) السلطة، تم توسيع سياسة دمج رأس مال الدولة، فقد تجمعت الأموال وأصبحت ملكا للدولة، وفي واقع الأَمر تخضع للأشراف المباشر من قبل كبار موظفي الدولة، حيث كان الجزء الأكبر من هذه الأموال لا تستخدم لأغراض إِنتاجية، وإِنما تتجه أَما إِلى مجال التداول أَو تحول للملاك يتم حفظها ببنوك اجنبية، وفي نفس الوقت تسعى الحكومة إِلى تحقيق التطور الصناعي للدولة بمساعدة رأَس المال الأجنبي، كانت نتيجة ذلك هو مزيد من التبعية للخارج، فقد استمرت العلاقات الاقتصادية مع الدول الأجنبية من خلال شركاتها التي خضعت لقوانين السلطة التشريعية، ومنحتها حق التصرف في موارد الدولة المخصصة للتصدير، والإِشراف على الاستيراد. استغل القطاع الخاص الصيني الفرصة لتوسيع أنشطته، فقد حققت الصناعات الصينية الخاصة تقدما كبيراً لا سيما في صناعة الغزل والنسيج، وتوسعت الشركات الصناعية المملوكة لأجانب، وتضاعف عدد العمال خلال الفترة، ثم تزايد دور القطاع الخاص الصيني، مستغلا توفر الظروف الملائمة لتطوره وتعافيه، واستمر هذا المشهد إِلى ما بعد الحرب العالمية الثانية إِلى أَن احتل القطاع الخاص طابعاً احتكارياً سواء من الأجنبي الذي يسيطر على معظم الصناعات المتركزة في المدن الساحلية، أَو القطاع الخاص المحلي الذي سيطر على الإِيرادات الصينية. لقد كان من نتائج هذه المرحلة عجز في الميزانية العامة للدولة، مما دفع الحكومة إِلى تمويل هذا النقص من خلال الإِصدار النقدي بمعدل مرتفع، وهو ما قاد إِلى تصاعد مستويات التضخم بمعدلات عالية، على اثره فقدت الوحدات النقدية قدرتها كوسيلة للتجارة، وهنا فرضت الضرورة لحدوث تغيرات سياسية في بنية السلطة الحاكمة تتبعها تحولات اقتصادية، بداء الصراع بين سلطة (الكومنتانغ) ومعارضيها بقيادة (مأَو تسي تونغ) في سنة (1949)، انتهى هذا الصراع، وإِعلان جمهورية الصين الشعبية، وفي غضون تلك الفترة بدأت مرحلة التحول نحو توسيع سياسات الاقتصاد الموجه مركزياً من قبل الدولة، وفقا لتطور المجتمع الشيوعي. ومن خلال المناقشة الواردة أعلاه يمكننا ان نرى ان الاختلافات بين طرق النمو الاقتصادي في عهد (الإمبراطورية الصينية) وعهد (صن يات تسن) ليست كبيرة، اكثر من هي استغلال فرص. وليس معنى هذا ان نمط نمو عهد (صن يات تسن) كان لا يشهد تغيرات اقتصادية، بل بعكس فقد زاد دور القطاع الخاص المحلى الذي كان ضعيفاً امام الراس المال الأجنبي في عهد (الإمبراطورية الصينية)، وهذا أدى إِلى توسع دوره في رفع مستوى المعيشة للإسكان، ومساهمته في التنمية الاقتصادية للدولة. > يتبع الجزء الثاني قريبًا <
الإِمبراطوري الصينية - جمهورية الصين
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع