مستشعرات النفط والغاز: كواشف التسرب الغازي (1)
02/11/2020 القراءات: 2902 الملف المرفق
إن الكثير من المركبات الكيماوية والغازات الخطرة التي تدخل في عمليات التصنيع البتروكيماوي يصعب رؤيتها بالعين بالمجردة. ويتطلب التعامل معها من قبل طواقم تشغيل المنشآت النفطية الكشف المستمر عنها، وتقفي تسرباتها، وتوثيقها أثناء مراحل التشغيل المختلفة، تفاديا لوقوع الحوادث، أو التعرض للمساءلة من قبل الجهات التنظيمية. هذا وتعمل الشركات النفطية باستمرار على تحسين ممارساتها الصناعية في إدارة التسربات عبر توظيف تقنيات مستحدثة، وابتكار تصاميم خلاقة، من شأنها أن ترفع من كفاءة التشغيل، وتعزز اعتبارات السلامة، وتحفظ الموارد من التضرر والهدر. وتزداد هذه الحاجة عندما تحدث عمليات التشغيل في بيئات متطرفة ومعقدة، والتي تتطلب بطبيعة الحال مراقبة منتظمة ورصدا حثيثا للمتغيرات والظروف المحيطة بالطاقم البشري والآلات. إلا أن الطرق التقليدية المعمول بها حاليا في مجال المراقبة والرصد تعتمد على تقنيات بدائية تمتاز بالبطء والمرحلية (غير مستديمة) وعدم الدقة في القياسات أو القراءات؛ مما يرتد سلبا على جودة الأداء والسلامة العامة والبيئة. ولذلك، ظهرت حاجة صناعية لتوظيف تقنيات مستحدثة تعتمد على البيئة المؤتمتة والرقمية في الاستشعار والمراقبة، وذلك لتقليل أخطاء القياس وضعف الدقة، وزيادة سرعة الرصد والتزامن المعلوماتي، واتخاذ القرارات الصائبة في السياقات المناسبة. وهذا من شأنه أن يعزز قضايا الصحة والسلامة العامة وحماية البيئة، ويجعل خطط الاستجابة للحوادث الطارئة أكثر فعالية ونجاعا.
لقد دخلت تكنولوجيا المستشعرات في السنوات الأخيرة عالم الصناعة النفطية من أوسع أبوابه، وتبوأت بجدارة مكانة متقدمة ضمن قائمة عائلات التكنولوجيات الموظفة في عمليات الرصد والقياس، حتى أضحت مستشعرات النفط والغاز اليوم أداة مهمة لا غنى عنها في تنفيذ وإنجاح برامج مراقبة العمليات النفطية المختلفة، كحفر الآبار واستكمالها، وأنشطة الاستكشاف والاستخراج والإنتاج الهيدروكربوني، وأعمال التفتيش على خطوط الإمداد والتكرير البترولي وإغلاق المنشآت. إذ توفر تكنولوجيا المستشعرات إمكانيات عظيمة في تحسس الظواهر والمواد، تمكن بواسطتها طواقم التشغيل من ملاحظة التغيرات في المواد، ومراقبة سير العمليات، وضبط أداء الآلات، الأمر الذي يساعد على التأكد من استمرارية المراحل التشغيلية نحو تحقيق أهدافها وفق الخطط الموضوعة، وكذلك ضمان سلامة البيئة والمرافق التشغيلية والعاملين في المنشأة النفطية.
تعتمد تكنولوجيا المستشعرات في فكرتها الأساسية على رصد الخصائص الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية المختلفة للظواهر المعروفة في صناعة النفط والغاز، مثل: الضغط، والحرارة، والاهتزاز، والإجهاد، والمقاومة، والكيميائية، وغيرها من الخصائص التي تميز كل ظاهرة معينة عن غيرها من الظواهر الأخرى. وبفضل قدرات الرصد هذه، تستطيع طواقم التشغيل التعرف على التغيرات الفجائية غير المرغوب بها أثناء سير العمليات النفطية، والتنبه السريع إلى العيوب والمخاطر التي يحتمل وقوعها إحداث إعاقة للعمليات أو توقف في سير العمل، كظروف العمل الحرجة وغير التقليدية تحت قيم مرتفعة من الحرارة والضغط أو الكيميائية المتطرفة، والتي تستلزم تطبيق معايير عالية من المراقبة والتحكم والسلامة. وبهذا يمكن لطاقم التشغيل تحديد نوع الاستجابة المناسبة للتعامل مع الموقف الحرج قبل استفحاله وتفادي وقوع الخسائر والأضرار في المنشأة.
إن إلقاء نظرة عابرة على بيانات الأسواق العالمية لتكنولوجيا المستشعرات في قطاع النفط والغاز [1]، سيساعدنا على إدراك تنامي الطلب العالمي على هذه التكنولوجيا مع مرور الزمن لتوظيفها في أنشطة هذا القطاع الحيوي. إذ أننا سنشهد خلال السنوات القادمة إقبالا متزايدا على توظيف المستشعرات بحيث يتوقع أن تبلغ قيمتها الاستثمارية في أسواق النفط والغاز حوالي 9.4 بليون دولار بحلول عام 2023. كما أن هذا الإقبال يتوقع له نموا مطردا فيما بعد هذه الفترة بالتوازي مع التوسعة المتوقعة في مشاريع قطاع التكرير النفطي على مستوى العالم، إلى جانب التطور المتسارع في تقنيات الرصد (التحسس الذكي) والتقنيات المساعدة لها (مثل الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء) التي ستشهد رخصا في أثمانها وتغلغلا أكثر في استعمالاتها بشتى جوانب حياة المجتمع المعاصر.
نتناول في هذه المقالة عرضا سريعا لأحد أشهر نظم مستشعرات الغاز استخداما في الصناعة النفطية، كأحد النماذج الواعدة لتطوير أداء هذه الصناعة في المستقبل المنظور. ونظرا للتنوع الشديد في نظم المستشعرات، فإن المقالة بين الأيدي ستركز تحديدا على نوع واحد من عائلة مستشعرات النفط والغاز، ألا وهي كواشف الغاز العاملة ضمن حزمة الأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغنطي. ذلك أن معظم المواد الهيدروكربونية تبدي خصائص طيفية مميزة ضمن هذا المجال المحدد من الطاقة الكهرومغنطية، وأن هذه الكواشف تحديدا اكتسبت زخما معلوماتيا ضخما مقارنة بالنظم الاستشعارية الأخرى بفضل تراكم الخبرات الصناعية من الشركات التي تعاملت معها. في الجزء الأول من هذه المقالة، سيتعرف القارئ إلى المبدأ العلمي لكواشف الأشعة تحت الحمراء وآلية عملها. أما في جزئها الثاني فسيتعرف القارئ إلى مجالات الاستفادة من هذه الكواشف في التطبيقات النفطية في الوقت الراهن وتطوراتها في المستقبل القادم.
[1] المصدر: (https://www.marketsandmarkets.com/Market-Reports/oil-gas-sensor-market-212567893.html)
موارد طبيعية، مستشعرات، التسرب الغازي، حماية البيئة، النفط والغاز
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة