مدونة محمد كريم الساعدي


ما قبل السقراطية وجمالية التناسب الهارموني والنسبية والوجود الجمالي / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


12/04/2022 القراءات: 951  


أنَّ الفكر الجمالي الإغريقي لم يولد مع الثلاثة الكبار من فلاسفة اليونان (سقراط ، افلاطون، ارسطو) ، بل له أمتدادات كما تكلمنا سابقاً مع (هوميروس) في ملاحمه ، ومع عدد أخر من فلاسفة اليونان الذين سبقوا هؤلاء الثلاثة الكبار ، وظهرت في فترة سابقة كل من الماديين الذريين هم أول من وضع التربة الصالحة للفلسفة بصورة عامة ، والجمالية بصورة خاصة "أمثال (طاليس وأناكيسمن ، وأناكسيماندر) . إنَّ المأثر الرئيسة للذريين هي في كونهم قد ناضلوا بشدة ضد وجهة النظر الدينية الخرافية ووضعوا بدلا منها التصور العلمي للعالم وقوانينه. وكان الفيثاغوريون من أوائل من تقدم بموضوعات حول قضايا الفن في اليونان القديمة وقد كانوا مثاليين في تفكيرهم " (1) ، إذ أهتموا بالتناسق في مثاليتهم من خلال العمل على بناء تناسب هارموني كما في الموسيقى ،لذا عمل فلاسفة المدرسة (الفيثاغورية) على وفق هذا التناسب ، كما في الموسيقى وتعد " المبدأ الذي يجمع المبادئ المتضادة التي تدخل في تكوين كل ما هو موجود .إنَّ الانسجام هو هذا التناسب الذي يوحد العناصر المتباينة في كل المجالات . إننا نعثر على هذا التناسب في الموسيقى حيث تلعب مفاهيم التنافر والتناغم دوراً كبيراً إضافة الى أنها تشتمل على منظومة حسابية " (2) قادرة على الجمع بين كل أركان البناء الموسيقي للوصول الى مثالية ترتبط بمفهوم التربية الإنسانية وأبعاد كل ما هو خارج النفس من سلوكيات سلبية ،للوصول الى نقاء النفس ، وهذه المثالية في قراءة الفن وبالأخص الموسيقى عند (فيثاغورس) الذي قدم نظاماً قائماً على فكرة البناء الروحي وخلاص النفس من السلبيات في المجال التربوي للنفس البشرية : " لقد وضع (فيثاغورس) نوعية التربية الأولية بمساعدة الموسيقى ، هذه الانغام أو الايقاعات أو تلك ، لتستعمل في تطبيب الاخلاق والشهوات الإنسانية وتعيد تكوين هارمونية القدرات الروحية الى حالتها الطبيعية الأولى . وفي الواقع يجب أن تتذكر قبل كل شيء إنه وصف لأصدقائه ما يدعى بالتهذيب الموسيقي عن طريق المزج الرائع لتلك الألحان (الدياكونية واللونية والفيرهارمونية) والتي بمساعدتها أستطاع أن يغير ويبدل الى الضد الحالة الروحية المسيطرة عليها بشكل مرضي كالجزع والتهييج والحزن والغيرة والخوف والغضب والشهوة والخلاعة ومحولاً جميع هذه النواقص الى فضائل بمساعدة الألحان المناسبة كأنه طبيب يستعمل الدواء المناسب لكل حالة مرضية" (3). إنَّ ما قام به (فيثاغورس) في بناء معايير جمالية في التحكم بالنفس البشرية تعد من الصور الجمالية التي أراد من خلال البناء الهارموني أن يجعل النفس موزعة في مشاعرها بين طبقاته في بناء معيار جمالي حقيقي لها ، فكل الحالات السالبة في المجتمع الإغريقي حاولت المدرسة الفيثاغورية من خلال فلاسفتها أن تصيغ سبل للبناء المثالي القائم على الأخلاق بواسطة توظيف الارقام في الجانب الروحي ، توظيف ما هو مجرد منها في صياغة الروح المثالية عند الإغريق بعد أن أصبحت الخرافة والاساطير مسيطرة على الروح ، على وفق " نوع خارق من الانسجام والتساوق ناجم عن دقة كاملة في الأحجام والنسب . وليس المقصود بذلك نوعاً من (القوانين) التي تفرض أقيسة عددية دقيقة ، بقدر ما هو مقصود به نوع من سحر الأعداد ، مليء بالحركة والحيوية ، ومقاس آنياً محسوس ، يكشف بصورة داخلية من ذاته عن مركب تام من الانسجام الرياضي" (4)التي عملت عليه المدرسة الفيثاغورية في النهج السليم في بناء جماليات خاصة بتلك الفترة الإغريقية .


الجمال ، الهارموني ، الوجود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع