رواية عليّ وعنبرة.. وشيخ الكل
د.يوسف أحمد محمد | Yusuf Ahmed
20/10/2020 القراءات: 487
رواية عليّ وعنبرة
عليٌّ وعَنبَرَة: تزوجا بعد ما أتمَّا العقد العشرين من عمريهما، لقد امتزج العشق بدمائهما وأعصابِهما منذ نعومة أظفارهما، حين كانا يغدوان بالغنم ويروحان معها، لقد رزقهما الله غناء واسعا يشمل الصامت والناطق، والعقار والمتنقل.
ولقد قيّض الله لهما من الأولاد عشر بنين وخمسة بنات، قد استقلّ كل واحد من الأولاد بحياته؛ فتزوّج وصارت له أسرة، وتموّل وأنجب كالعادة.
وبقي كلٌّ من "عليٍّ وعَنبَرَة "في بيت خال عن الحركة التي تأقلما معها منذ زمن بعيد، وأحسَّا الوحدة والفراغ ، هناك تمنّى الزوج أن تُنجب له محبوبته "عَنبَرَة" توأمين يسميانهما "حَسن وحسِينة" بحيث تختم بهما إنجابها.
وفي وَسط الليل وسَحرهِ تعوّد عليٌّ أن يكثر الهجوع، والتضرع، والدعاء لله، سائلا إيّاه أن يهب له ولزوجه كل من "حسن وحسينة" ليستأنسا بهما، وليكونا من ورائد العصر وقادته.
لكنَّ دعائه وإن طال زمانه إلا أنّه لم يحظَ بالقبولِ والإجابة. لكنّ عليًا لم يقنط ولم يستسلم. بل أراق دماء القرابين، وأحضر عند أرباب الدعاء، وطلب منهم الدعاء بعد أن ملأ بُطونهم بالطّعام وأياديَهم بالنقود، ثم أكثروا الدعاء، والنحيب، والتضرع لله، إلاّ أنَّه لم يُر أثرُ دعائهم. ومع هذا فإنَّ " عَنبَرَة " قد طعنت في السنّ السبعين من عمرها، ناهيك أن تنعم حملا، وإنما أيس رحمها عن الحيض الذي هو علامة إمكانية الحمل.
ومع هذا لم يستسلما للقنوط، ولم ييأسا عَن رحمةِ ربِّ العالمين، لقد عزما أن يَطرقا كلَّ باب وإن كان بعيدا عن العقل والدين، حتى زارا مقابر وأضرحة يُتوهَّم أن الدعاء عندها مقبولة، ونذرا عندها نذورا، واشترطا لها شروطا، وقبضا عنها حَفنات من ترابها، وتكررا زيارة "شيخ الفَرْج" الذي نصبت عند قبره أحجارٌ تشبه قضِيب الذَّكر، وتجلس عليه نساء طالبات الإنجاب.
ومع هذا كله لم تَحظ "عنبرة" حملا، ورجعت مع جُهدها الدؤوب بخفي حنين. لقد ظهر في الجوّ أن الأبواب قد سُدَّت أمامها، وأن الرجاء قد انقطع، وأنّ الحال قد آل إلى غير متوقِّع.
وقي آخر المطاف قد طار إلى سمعيهما نبؤ رجلٍ قيل: إنه يجيد علمَ النُّجوم، والحركاتِ السماوية، والطَّرْقِ، والطلاسم، ويدَّعي: إنه فُتح له مِن علم الغيب أبوابا، وإنه حظي حظّا كبيرا من الأسرار، وقد اشتهر عند العامة "بشيخ الكلّ "
لم يكن من الميسور أبدا الوصول إلى "شيخ الكلِّ" وصاحب الطلاسم، بل لم يكن سهلا معرفة مكان تواجده؛ لأنّ له جولاناً في طول وعرض بلاد أبناء الصومال مِن موطن "عِيسى" شِمالا إلى أقصى الجنوب إلى مساكن "رِين دِينلي". حتى قيل إنّ "صاحب الطلاسم شيخ الكل: هو مثل "الشيخ عبد القادر الجيلاني" لا تخلو عنه الأرض شبرا شبرا، وله سُوق وسُمعةٌ عريضة عند النساء والرعاع، يعشقون طلاسمه وَطَرقه.
وصار مِن حظّ "عليّ وعنبرة" بعد بحث دؤوب، وعمل ليل نهار أن يقفا أمام "شيخ الكل" عندما تضيّفت الشمس للغروب، وآذنت سرعة الانصرام، وغطّى احمرارها الجوّ كلّه.
بعد هنيئة من التعارف السريع تطرقا إلى صلب الموضوع الذي خلاصته: أنهما يطلبان أن تنجب "عنبرة" توأمين "حسن وحسينة"! لم يتوان "شيخ الكل": أن تَمتَم تمتمة؛ تلتها نظرةٌ في النجوم، ثم هَمهَم همهمة الكهان، فأشعل دخان اللُبان، ثم نظر إلى الأرض وخط فيها خطوطا ‘ورسم عليها طلاسم، ثم لمح إلى "عليّ " فقال له: كم عمر عنبرة؟
فقال علي: إنّ "عنبرة" وُلدت في سنة الجدباء، والصيفِ الحارق، في عام الفتنة والحروب؛ لذلك أتمت ثلاثاً وسبعين عاما. فراغ الشيخ من جديد إلى طلاسمه، وطرقه، ودخانه، وهمهماته، ثم رفع رأسه وحملق عينيه، وعبس، وبسر، وقلّب حبات سبحته، ثم فقال: إنّ "عنبرة" أصابتها مُشكلة خاصةٌ بالنساء اسمها: اليأس من الحيض، وهي لا تنجب فلا تجعل بين الله وبين أوليائه مشكلة!
يوسف بن أحمد
رواية عليّ وعنبرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع