مدونة يوسف أحمد محمد


رواية عليّ وعنبرة.. وشيخ الكل

د.يوسف أحمد محمد | Yusuf Ahmed


20/10/2020 القراءات: 488  


رواية عليّ وعنبرة

عليٌّ وعَنبَرَة: تزوجا بعد ما أتمَّا العقد العشرين من عمريهما، لقد امتزج العشق بدمائهما ‏وأعصابِهما منذ نعومة أظفارهما، حين كانا يغدوان بالغنم ويروحان معها، لقد رزقهما الله غناء ‏واسعا يشمل الصامت والناطق، والعقار والمتنقل‎.‎
ولقد قيّض الله لهما من الأولاد عشر بنين وخمسة بنات، قد استقلّ كل واحد من الأولاد ‏بحياته؛ فتزوّج وصارت له أسرة، وتموّل وأنجب كالعادة‎.
وبقي كلٌّ من "عليٍّ وعَنبَرَة "في بيت خال عن الحركة التي تأقلما معها منذ زمن بعيد، وأحسَّا ‏الوحدة والفراغ ، هناك تمنّى الزوج أن تُنجب له محبوبته "عَنبَرَة" توأمين يسميانهما "حَسن ‏وحسِينة" بحيث تختم بهما إنجابها‎.
وفي وَسط الليل وسَحرهِ تعوّد عليٌّ أن يكثر الهجوع، والتضرع، والدعاء لله، سائلا إيّاه أن ‏يهب له ولزوجه كل من "حسن وحسينة" ليستأنسا بهما، وليكونا من ورائد العصر وقادته‎.
لكنَّ دعائه وإن طال زمانه إلا أنّه لم يحظَ بالقبولِ والإجابة. لكنّ عليًا لم يقنط ولم يستسلم. ‏بل أراق دماء القرابين، وأحضر عند أرباب الدعاء، وطلب منهم الدعاء بعد أن ملأ بُطونهم ‏بالطّعام وأياديَهم بالنقود، ثم أكثروا الدعاء، والنحيب، والتضرع لله، إلاّ أنَّه لم يُر أثرُ دعائهم. ‏ومع هذا فإنَّ " عَنبَرَة " قد طعنت في السنّ السبعين من عمرها، ناهيك أن تنعم حملا، وإنما ‏أيس رحمها عن الحيض الذي هو علامة إمكانية الحمل‎.
ومع هذا لم يستسلما للقنوط، ولم ييأسا عَن رحمةِ ربِّ العالمين، لقد عزما أن يَطرقا كلَّ باب ‏وإن كان بعيدا عن العقل والدين، حتى زارا مقابر وأضرحة يُتوهَّم أن الدعاء عندها مقبولة، ‏ونذرا عندها نذورا، واشترطا لها شروطا، وقبضا عنها حَفنات من ترابها، وتكررا زيارة "شيخ ‏الفَرْج" الذي نصبت عند قبره أحجارٌ تشبه قضِيب الذَّكر، وتجلس عليه نساء طالبات ‏الإنجاب. ‏

ومع هذا كله لم تَحظ "عنبرة" حملا، ورجعت مع جُهدها الدؤوب بخفي حنين. لقد ظهر في ‏الجوّ أن الأبواب قد سُدَّت أمامها، وأن الرجاء قد انقطع، وأنّ الحال قد آل إلى غير متوقِّع‎.
وقي آخر المطاف قد طار إلى سمعيهما نبؤ رجلٍ قيل: إنه يجيد علمَ النُّجوم، والحركاتِ ‏السماوية، والطَّرْقِ، والطلاسم، ويدَّعي: إنه فُتح له مِن علم الغيب أبوابا، وإنه حظي حظّا ‏كبيرا من الأسرار، وقد اشتهر عند العامة "بشيخ الكلّ‎ ‎‏"‏‎
لم يكن من الميسور أبدا الوصول إلى "شيخ الكلِّ" وصاحب الطلاسم، بل لم يكن سهلا معرفة ‏مكان تواجده؛ لأنّ له جولاناً في طول وعرض بلاد أبناء الصومال مِن موطن "عِيسى" شِمالا ‏إلى أقصى الجنوب إلى مساكن "رِين دِينلي". حتى قيل إنّ "صاحب الطلاسم شيخ الكل: ‏هو مثل "الشيخ عبد القادر الجيلاني" لا تخلو عنه الأرض شبرا شبرا، وله سُوق وسُمعةٌ عريضة ‏عند النساء والرعاع، يعشقون طلاسمه وَطَرقه. ‏
وصار مِن حظّ "عليّ وعنبرة" بعد بحث دؤوب، وعمل ليل نهار أن يقفا أمام "شيخ الكل" ‏عندما تضيّفت الشمس للغروب، وآذنت سرعة الانصرام، وغطّى احمرارها الجوّ كلّه‎.
بعد هنيئة من التعارف السريع تطرقا إلى صلب الموضوع الذي خلاصته: أنهما يطلبان أن ‏تنجب "عنبرة" توأمين "حسن وحسينة"! لم يتوان "شيخ الكل": أن تَمتَم تمتمة؛ تلتها نظرةٌ ‏في النجوم، ثم هَمهَم همهمة الكهان، فأشعل دخان اللُبان، ثم نظر إلى الأرض وخط فيها ‏خطوطا ‘ورسم عليها طلاسم، ثم لمح إلى "عليّ " فقال له: كم عمر عنبرة؟
‏ فقال علي: إنّ "عنبرة" وُلدت في سنة الجدباء، والصيفِ الحارق، في عام الفتنة والحروب؛ ‏لذلك أتمت ثلاثاً وسبعين عاما. فراغ الشيخ من جديد إلى طلاسمه، وطرقه، ودخانه، ‏وهمهماته، ثم رفع رأسه وحملق عينيه، وعبس، وبسر، وقلّب حبات سبحته، ثم فقال: إنّ ‏‏"عنبرة" أصابتها مُشكلة خاصةٌ بالنساء اسمها: اليأس من الحيض، وهي لا تنجب فلا تجعل ‏بين الله وبين أوليائه مشكلة!‏
يوسف بن أحمد


رواية عليّ وعنبرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع