2ـ تعثر في ثنايا الأسفار، وتقحم في عرين الأفكار
د.يوسف أحمد محمد | Yusuf Ahmed
16/06/2021 القراءات: 394
وصاحبنا المرشد فاقد الحل؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والعريان لا يحمل عريانا آخر كما يقول الصوماليون، فلا يملك إلا أن يشاهد جماعته وهي تتصدع بين يديه، وتتطاير كالزجاجة المكسورة، تتعاورهم رياح الاختلاف، يسرى فيهم شؤم الطريق الذي اختاره لهم، وتلدغهم أفعُوان الأفكار التي سلمها إياهم، وتسري في أجسادهم نفثات السموم القاتلة، والشبهات الماحقة!
سمعت تلميذا صغيرا يسأل شيخه ما ينبغي أن يقرأ من الكتب! فقال له شيخه: اقرء كلما يقع في يدك، اقرء كل كتاب تجده!
بالحقيقة كأنه يقول لتلميذه: خض في كل بحر تجده، وغص في كل محيط تصادفك، أو تعرَّض لكل سموم تواجهك، ويلزم من ذلك كارثةٌ عظيمة، وهلاك لا ينجو منه إلا بمعجزة من الله تعالى.
فإن تَنجُ مِنها تَنجُ مِن ذِي عَظيمَةٍ * وَإِلاّ فَإِنّي لا إِخالُكَ ناجِيا
أما إذا نضج الشخص علميا، واشتد عود معارفه، وتسلح بسلاح الكتاب والسنة، وأتقن العلوم النقلية والعقلية فعليه أن يخوض في غمار جميع العلوم بغية توسعة دائرة معارفه، وطلب الحِكَم من مظانها، والتنقل بين أزهار بساتينها؛ ليختطف من كل بستان ما فيها من الأزهار، ويتقي ما فيها من الأشواك، فيدخل الأسد الظاهريَّ في عرينه؛ ليعجم ما عنده، ويهجم على العقلاني؛ ليختبر منهج علمه، ويغير على الملحد في عقر داره؛ ليقيم عليه الحجج، ويظهر عوره وضعف مذهبه، ويغزو على الليبرالي ليفضح نفاقه، ويقرء لصاحب السنة؛ ليتزود منه علما، ولصاحب بدعة؛ ليجني الثمار ويرمي الأشواك؛ لأنه يعرف الرجال بالحق، وعنده قسطاس مستقيم، وميزان واضح يقيس به المعارف، ونور مبين يضيء له الدرب، فلا يترك حقا ممزوجا بباطل لضلال قائله، وإنما ينتزع الحق من ثنايا الباطل، كما تنتزع الثمار من براثين الأشواك، وربما تكون حكمة سرقوها منا وتكون بضاعتنا ردت إلينا، وقد تكون حكمة نشأت عن تراكم خبرة، فالحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها، فالحق هو حق لذاته، لا يتأثر بقائله، والباطل باطل لذاته لا يتأثر بقائله، فإن ألف عبد صالح كتابا فأودع فيه باطلا، فلا يتحول هذا الباطل إلى حق، لأجل صلاح مؤلفه، وإن ألف كافر أو فاجر كتابا فضمن فيه حقا، فلا يتحول هذا الحق إلى باطل لأجل مؤلفه؛ لأن الحق قد يقوله شيطان، كقوله (ص): " قد صدق وهو كذوب".
يوسف أحمد محمد
السويد 13-6-2021
2ـ تعثر في ثنايا الأسفار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع