مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


دور الإعلام في حماية التراث والممتلكات الثقافية (3)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


14/12/2022 القراءات: 440  


وبهذا يشتمل مصطلح الممتلكات الثقافية على مجموعة متنوعة من المصطلحات المتداخلة تارة والمستقلة تارة أخرى، ومن أهم هذه المصطلحات التراث والثقافة والحضارة والآثار، أما الثقافة فهي سلوك يرجع إلى قيم إنسانية متجذرة في المجتمع وهي قابلة في طبيعتها للتعديل والتغيير وفقاً لظروف متغيرة، وتشكل نماذج للعيش ضمن اطر مجتمعية واقتصادية وسلوكية منوعة ومتعددة . وأما الحضارة فهي تمثل قيما إنشائية مبتدعة أي أنها تشير إلى انجازات علمية مرتبطة بنماذج الحياة المادية، ويجدها البعض شكلا من أشكال الثقافة عندما يكون لها جانب متميز من الرقي مع الاتسام بخصائص مميزة عن الثقافات الأخرى، وعلى هذا المنوال فإن الممتلكات الثقافية هي خليط من أشياء منقولة أو ثابتة ذات محتوى مادي ومعنوي لها مضامين تراثية وثقافية وحضارية وتاريخية. وتكمن أهمية الحفاظ على التراث الثقافي في الأهداف التي يمثلها هذا التراث وهي حفظه لذاكرة وهوية الإنسان والمجتمع؛ وإن فقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة، ويعني افتقارا اقتصاديا مهما في التنمية المحلية لمناطق هذا التراث .
في الآونة الأخيرة تصاعد الاهتمام العلمي الأكاديمي والسوسيوثقافي بقضية التراث عامة على أساس أنه تراث عالمي ، حيث بات هذا المصطلح ونعني به التراث العالمي يستعمل على الصعيد الدولي، ويقصد به التراث ذو القيمة العالمية الاستثنائية من التراث الثقافي أو الطبيعي والمدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي . وتشترك الآثار والتراث في صياغة هوية الجماعة . لذلك وجدنا أن قسما من التشريعات المختصة بالآثار سواء الوطنية منها أو الدولية، استخدم مصطلح التراث للدلالة على الآثار، أو كمصطلح رديف للآثار، أو شاملاً لها باعتبار أن الآثار تدخل ضمناً في نطاق التراث .
ثانيا: حماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح
تعد الحروب من أخطر ما يلحقه الإنسان بالتراث الثقافي حيث يتم تدمير الممتلكات الثقافية. وتعتبر الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح إحدى صور الحماية التي يوفرها القانون الدولي للتراث الثقافي العالمي، نظراً لارتباطه بالإنسان ومعبراً عن ذاتيته الوطنية وحضارته الثقافية. وتعكس هذه الحماية التوسع الذي لحق بنطاق القانون الدولي الإنساني حيث لم يعد قاصراً على حماية ضحايا الحروب من الإفراد وتخفيف معاناتهم، بل امتد نطاقه ليكفل الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية، وقد جاء هذا التوسع في نطاقه ليشمل - كنتيجة طبيعية لما خلفته الحروب - الدمار والسلب والنهب للممتلكات بمختلف أنواعها ومنها الثقافية، فضلاً عن صعوبة تعويض ما يتم نهبه أو إصلاح ما يتم تدميره من تلك الممتلكات. وكان القانون الدولي الإنساني أول من كفل إجراءات الحماية للممتلكات الثقافية، حيث وضع العديد من الأحكام المتعلقة بحماية الأهداف المدنية والممتلكات الثقافية، وقرر أيضا حماية الأماكن التاريخية والدينية والفنية والعلمية، لما لها من أهمية تاريخية وروحية للأمم وللشعوب.
إن بيان مفهوم الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية وبيان أحكامها، يوجب الإشارة إلى أن هناك عدة أنواع من الحماية أولها أن جميع الممتلكات الثقافية تتمتع بشكل تلقائي للحماية العامة، حيث يلتزم أطراف النزاع المسلح باتخاذ كافة الإجراءات الممكنة بعدم استخدام الممتلكات الثقافية لأي غرض عسكري ونقلها بعيداً عن الأهداف العسكرية أو عدم إقامة أهداف عسكرية بالقرب منها، ويجب على الطرف الآخر في النزاع المسلح الامتناع عن سلب الممتلكات الثقافية أو نهبها أو تبديدها ووقايتها من هذه الأعمال، ومنع أي عمل عدائي يهدف إلى تخريب هذه الممتلكات أو اتخاذ تدابير انتقامية ضدها، ولا يجوز التخلي عن هذا الالتزام إلا إذا استلزمت ذلك الضرورة العسكرية القهرية، ويقصد بذلك الحماية الخاصة، والحماية الممنوحة بموجب البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي وهي حماية معززة تكمن في حصانة الممتلكات الثقافية من الهجوم وحظر استخدامها أو المناطق المجاورة لها مباشرة في العمل العسكري، ولا تعتمد الحماية على تحديد نوعية الهدف هل هو مدني أم عسكري، وإنما يقصد بالحماية المعززة أنه حتى إذا ما شكلت الممتلكات الثقافية هدفاً عسكرياً فلا يجوز اتخاذه هدفا للهجوم، إلا إذا كان الهجوم هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء استخدام هذه الممتلكات الثقافية لأغراض عسكرية أو إذا اتخذت جميع الاحتياطات في اختيار وسائل الهجوم وأساليبه، بهدف إنهاء ذلك الاستخدام أو في حالة الدفاع عن النفس.
وقد أوصت معاهدة لاهاي على اتخاذ كافة التدابير الدولية والوطنية لحماية المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية للدول باعتبارها تراثا ثقافيا إنسانيا، ففي عام (1970) تبنى المؤتمر السادس عشر لليونسكو التدابير الواجب اتخاذها لحظر موضوع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة. كما صدر أيضا العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية مثل اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي (1972). كما أوصى المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (1995) برد القطع الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة.


الإعلام الجديد، التراث الحضاري، الممتلكات الثقافية، النزاع المسلح، العولمة، الهوية الوطنية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع