مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


دور الإعلام في حماية التراث والممتلكات الثقافية (2)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


14/12/2022 القراءات: 460  


أولا: تعريف الممتلكات الثقافية
يعد مصطلح الممتلكات الثقافية (Cultural Properties) من المصطلحات الحديثة ، الذي لم تحمل بعض الاتفاقيات الدولية مفهوما واضحا له، فنجد المادة الأولى من العهد الأمريكي المبرم في عام (1935) والذي يعرف بميثاق رويرخ للدول الأمريكية عرفت التراث الثقافي بأنه: الأشياء والأماكن والأعمال الفنية التي تحوز قيمة ثقافية، وهي تضم مجموع الفنون والآثار التاريخية التي تمثل الجانب المادي من التراث. أما بالنسبة لاتفاقية جنيف لعام (1949) فإنها اقتصرت على ذكر بعض الممتلكات الثقافية وذلك في المادة (53) من البرتوكول الأول الملحق بها لعام (1977)، والتي نصت على حظر أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.
وورد تعريف الممتلكات الثقافية في اتفاقية لاهاي المعقودة بتاريخ 14 مايو 1954، وتعد أول اتفاقية تضمنت بيان المقصود بالممتلكات الثقافية بشكل عام وتفصيلي، كون التعريف الذي جاءت بها الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي سبقت هذه الاتفاقية، كانت أغلبها مقتصرة على بيان عدد من الممتلكات الثقافية دون الكل، أو كان التحديد وفق تلك التعريفات غير شامل لجميع الممتلكات الثقافية، وقد ورد في المادة الأولى منها، بأنها: الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية الديني منها أو الدنيوي والأماكن الأثرية ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية أو فنية والتحف الفنية والمخطوطات والكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية والتاريخية والأثرية وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب الهامة والمحفوظات ومنسوخات الممتلكات السابق ذكرها، والمباني المخصصة بصفة رئيسة وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية المنقولة والمبينة في الفقرة (أ) كالمتاحف ودور الكتب الكبرى ومخازن المحفوظات، وكذلك المخابئ المعدة لوقاية الممتلكات الثقافية المنقولة المبينة في الفقرة (أ) في حالة نزاع مسلح، وغيرها ذات العلاقة التي تتطلب بموجب الاتفاقيات الوقاية والاحترام والحماية المتواصلة وقت السلم ووقت الحرب، وعدم تعريضها للتلف والتدمير وتحريم سرقتها ونهبها أو تبديدها ، والمراكز التي تحتوي مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية والتي يطلق عليها اسم (مراكز الأبنية التذكارية) .
أما اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة (1972) والاتفاقية الدولية (اليونيدروا) الخاصة بإعادة الممتلكات الثقافية المسروقة والمصدرة بطرق غير مشروعة لعام (1995) ، التي أوردت تعريفا للممتلكات الثقافية في المادة (1) منها على أن الآثار: هي الأعمال المعمارية وأعمال النحت والتصوير على المباني والعناصر أو التكوينات ذات الصفة الأثرية والنقوش والكهوف ومجموعة المعالم التي لها جميعاً قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم، والمجمعات وهي مجموعة المباني المنعزلة أو المتصلة، التي لها بسبب عمارتها أو تناسقها أو اندماجها في منظر طبيعي، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم، والمواقع وهي أعمال الإنسان، أو الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة، وكذلك المناطق بما فيها المواقع الأثرية التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية أو الجمالية أو الإنثولوجية أو الأنثروبولوجية، وبهذا فإن الاتفاقية أعلاه تؤكد أن كل دولة عليها اتخاذ سياسة عامة تستهدف جعل الممتلكات الثقافية تؤدي وظيفة في حياة الجماعة والعمل على تأسيس دائرة لحمايتها والمحافظة عليها فضلاً عن تنمية الدراسات والأبحاث العلمية.
كما أشار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي أقر في مؤتمر روما لعام (1998) إلى عبارة (الآثار التاريخية) لغرض التعبير عن الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية أثناء النزاع المسلح والتي يعد الاعتداء عليها جريمة حرب ، وجاء البرتوكول الثاني الملحق باتفاقية لاهاي في سنة (1999) ليؤكد على التعريف الوارد في المادة الأولى من اتفاقية (1954) في تحديد الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية القانونية في زمن النزاع المسلح وفي زمن الاحتلال تحديدا، وذلك في المادة الأولى الفقرة (ب) منها.
وقد دفع ذلك الأمم كافة إلى الاهتمام بالتراث وحمايته بوضع الخطط والاستراتيجيات، وسن التشريعات والقوانين الخاصة بحماية هذا التراث من عوامل التدمير المختلفة . ويعتبر التراث المعماري العربي في واقعه التاريخي بمثابة الإنجاز الحضاري الذي يبلور إلى حد كبير ملامح الشخصية الحضارية العربية في عصورها الزاهرة. كما يعتبر أحد أبرز أسس الوحدة الثقافية العربية والحفاظ على الهوية القومية، لكن هذا التراث الغني والمتنوع يواجه أخطارا جسيمة بفعل عوامل تدمير طبيعية وبشرية أدت إلى تخريب وضياع جزء مهم من تراث الأمة الحضاري .
وهناك اتجاه بعدم تمتع أي ممتلك ثقافي بالقيمة الفنية أو التاريخية، ما لم يكن هنالك اتفاق عام على المستوى الدولي باعتباره متمتعاً بهذه القيمة، ويقدم أنصار هذا الاتجاه أمثلة على هذا النوع من الممتلكات. أما الاتجاه الثاني فقد تبنى المفهوم الواسع للممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية بموجب أحكام القانون الدولي، إذ ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى امتداد نطاق هذه الحماية إلى كل الممتلكات الثقافية على النحو الذي تحدده الدول الأطراف في الاتفاقية الواقع على أراضيها هذه الممتلكات، طبقاً للمعايير والقواعد الوطنية الخاصة بها، ومن هنا، فإن جميع الممتلكات الثقافية تتمتع بالحماية .
وقد تعددت المعايير التي يتم الاستناد إليها لتحديد ما إذا كان الممتلك الثقافي ذو أهمية لتراث شعب من الشعوب أم لا، وهذه المعايير هي: معيار الربط بالأعيان المدنية، حيث يعد عينا مدنيا كل الأهداف التي ليست أهدافاً عسكرية ، ومعيار الأهمية لتراث الشعوب الثقافي ، ولاشك في أن هذا المعيار يوسع من نطاق الحماية المقررة للممتلكات الثقافية .


الإعلام الجديد، التراث الحضاري، الممتلكات الثقافية، النزاع المسلح، العولمة، الهوية الوطنية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع