مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


🔻 غزوة الأحزاب ( الخندق)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/03/2023 القراءات: 437  


🔻 غزوة الأحزاب ( الخندق)

عاد الأمن والسلام، وهدأت الجزيرة العربية بعد الحروب والبعوث التي استغرقت أكثر من سنة كاملة، إلا أن اليهود ،الذين كانوا قد ذاقوا ألواناً من الذلة والهوان نتيجة غدرهم وخيانتهم ومؤامراتهم ودسائسهم ، لم يفيقوا من غيهم، ولم يستكينوا، ولم يتعظوا بما أصابهم من نتيجة الغدر والتآمر‏.‏ فهم بعد نفيهم إلى خيبر ظلوا ينتظرون ما يحل بالمسلمين من خلال المناوشات التي كانت قائمة بين المسلمين والوثنيين، ولما تحول مجري الأيام لصالح المسلمين، وتمخضت الليالى والأيام عن بسط نفوذهم، وتوطد سلطانهم ـ تحرق هؤلاء اليهود أي تحرق‏.‏

وأيقن أعداء الإسلام أنهم لن يستطيعوا الانتصار على المسلمين إذا حاربتهم كل طائفة مفردة ،وانهم ربما يبلغوا أملهم إذا اتحدوا في مواجهتهم ، وكان زعماء اليهود ابصر من غيرهم بهذه الحقيقة ، فأجمعوا أمرهم على تأليب العرب ضد الإسلام وحشدهم في جيش كثيف ينازل المسلمين في معركة حاسمة ، وشرعوا في التآمر من جديد على المسلمين، وأخذوا يعدون العدة، لتصويب ضربة إلى المسلمين تكون قاتلة لا حياة بعدها‏.‏

فخرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم وحربه ، وصار وفد اليهود يزين لقريش الحرب ويهون أمرها ، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، وكانت قريش قد أخلفت موعدها في الخروج إلى بدر، فرأت في ذلك إنقاذا لسمعتها والبر بكلمتها‏.‏

ثم خرج هذا الوفد من اليهود إلى غَطَفَان، فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشاً فاستجابوا لذلك، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين‏ ، وبلغ مجموع الأحزاب عشرة آلاف مقاتل

وعلى إثر ذلك خرجت قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف، ووافاهم بنو سليم بمَرِّ الظَّهْرَان، وخرجت قبائل غطفان‏:‏ بنو فَزَارة، يقودهم عُيينَة بن حِصْن، وبنو مُرَّة، يقودهم الحارث بن عوف، وبنو أشجع، يقودهم مِسْعَر بن رُحَيلَةِ، كما خرجت بنو أسد وغيرها‏ ، واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه‏ ، وكان ذلك في شوال من سنة خمس من الهجرة

وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش كبير يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل، جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ‏.‏

ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتة لكانت أعظم خطراً على كيان المسلمين ، وربما تبلغ إلى استئصال المسلمين ، ولكن قيادة المدينة كانت قيادة متيقظة، فلم تكد تتحرك هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى قيادتها فيها بهذا الزحف الخطير‏.‏

واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الوضع وفيما يصنعون لمواجهة هذه الأحزاب ، واستقر الرأي على البقاء بالمدينة والتحصن بها لان الالتحام مع هذه الجيوش الضخمة في ساحة مكشوفة ، غير مأمون العاقبة وكان جيش المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل

وقد أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق حول المدينة، وقال :( يارسول الله ، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ) ، وكانت خطة حكيمة لم تعرفها العرب قبل ذلك ، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه ، فأمر بحفر الخندق في السهل الواقع شمال غرب المدينة وهو الجانب المكشوف الذي يخاف منه اقتحام العدو

وذكر أن المهاجرين يوم الخندق قالوا : سلمان منا وقالت الأنصار: سلمان منا ،فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" سلمان منا أهل البيت" ، وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق بين أصحابه لكل عشرة منهم أربعين ذراعاً


وقد تم الحفر بسرعة رغم الجو البارد والمجاعة التى أصابت المدينة في ذلك الوقت ، وقام المسلمون بجد ونشاط يحفرون الخندق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحثهم ويشاركهم في عملهم هذا‏ ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال ‏:‏ كنا مع رسول الله في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‌‏(‏اللهم لا عَيشَ إلا عيشُ الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار‏)‌‏.‏
البخاري

وعن أنس رضي الله عنه قال ‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلما رأي ما بهم من النصب (الجهد ) والجوع قال‏:‏

" اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصـار والمهـاجرة "

فقالوا مجيبين له‏:‏
نحـن الذيـن بايعـوا محمـداً ** على الجهاد ما بقيـنا أبداً
البخاري

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى واري عني الغبار جلدة بطنه(حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده) ،

وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب ويقول‏:‏"اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصـدقنـا ولا صلينــا
فأنزلن سكينـة علينـا وثبت الأقـدام إن لاقينــا
إن الألى قـد بغـوا علينـا ** وإن أرادوا فـتنـة أبينـا "
قال‏:‏ ثم يمد بها صوته بآخرها
البخاري

كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد، قال أنس رضي الله عنه ‏:‏ كان أهل الخندق يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم(فيطبخ لهم) بإهَالَةٍ سنخة(بدهن متغير الرائحة لقدمه) و توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح‏ (فيأكلونه رغم طعمه الكريه ورائحته المنتنة لفرط الجوع) ، وأحيانا لايجدون سوى التمر ، وقد يلبثون ثلاثة أياما لا يذوقون طعاما


🔻 غزوة الأحزاب ( الخندق)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع