مدونة د. إبراهيم عبد اللطيف العبيدي


حتى لا تنحرف المصرفية الإسلامية عن مقاصدها

د. إبراهيم عبد اللطيف العبيدي | Ibrahim Abdullatif Alobeidi


14/09/2021 القراءات: 1347  


يدرك الجميع المقاصد النبيلة التي قامت عليها المصرفية الإسلامية، التي مثلت امتداداً للصناعة المالية الإسلامية بشقيها الربحي والخيري، بمقوماتها الرئيسة الثلاث الآتية:
1- حرمة التعامل بالربا
2- حرمة التعامل بالغرر
3- حرمة أكل أموال الناس بالباطل
وقد أدت المؤسسات المالية الإسلامية دوراً فعالاً مهماً، إذ رفعت الحرج الشديد عن الأمة من خلال إيجاد البديل الشرعي للتعاملات المالية غير المشروعة، وبعد النجاحات التي حققتها هذه المؤسسات في مدة زمنية لا تتجاوز نصف قرن من الزمن، في وقت تزعزعت فيه مؤسسات مالية ربوية عملاقة على مستوى العالم؛ فتهيكلت بعضها واندمجت بعضها الآخر مع غيرها، في ظل أشرس تجربة شهدتها الساحة المالية على مستوى العالم؛ تمثلت بحدوث الأزمة المالية العالمية التي نتجت عن أزمة الرهن العقاري في أواخر 2008م، ثبتت المؤسسات المالية الإسلامية، واستطاعت الخروج منها بأقل الخسائر، مقابل مثيلاتها الربوية.
واليوم وبعد ما يقارب من عقد ونصف من الزمن على حدوث الأزمة المالية العالمية يرصد المراقب تدهور واقع بعض المؤسسات المالية الإسلامية نسبيا- ويؤشر تراجعاً في بعض المجالات التي كانت رائدة بها، وقبل ذكر وتشخيص الأسباب الداعية لذلك؛ فمن الضروري إثبات أن المؤسسات المالية الاسلامية متمثلة (بالمصارف وشركات الاستثمار وشركات التأمين التكافلي وأسواق المال القائمة على تجارة الأسهم والصكوك) مؤسسات ربحية في المقام الأول، مختلفة بذلك عن طبيعة عمل الجمعيات الخيرية، فلا شك أن طبيعة عملها يحدد على أساس الزيادة والتوسع قدر الإمكان، ومن خلال الاتفاق على هذا التوسع المشروع، يمكن تأشير الأمور الآتية:
1- التوسع المبالغ في عقود الائتمان والدخول في متاهات الاقتصاد الوهمي؛ وهو الذي يتواجد فيه فقاعة أو أكثر؛ إذ تمثل الفقاعة زيادة أوارتفاع في قيمة الأصول، من دون زيادة حقيقية في قيمة الإنتاج.
2- محاكاة البنوك التقليدية والسير حذوها، ومحاولة السير في نهجها، مع بُعد منهج وفلسفة ومنطلقات كل منهما عن الآخر.
3- انتقال الكثير من موظفي البنوك التقليدية إلى المؤسسات المالية الإسلامية بما يحملونه من فكر وثقافة مصرفية رأسمالية بحتة(وتحديداً المدراء الماليين) الذين كانت لهم حصة الأسد في التسهيلات الائتمانية وتقديمها للجمهو، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في حدوث أزمة الرهن العقاري 2008 م.
4- حدوث فجوة بين النظرية والتطبيق، والواقع والمأمول؛ بسبب تغليب النظرة الربحية المادية الضيقة، على حساب الدور الاجتماعي والإنساني الداعم، الذي قامت عليه فكرة المالية الإسلامية.
5- انقراض الجيل الأول المؤسس والداعم الأقوى للفكرة، وتوسع المؤسسات ودخولها في منافسات السوق، وأيلولة الأمر إلى مجالس إدارة من خلفيات ومدارس اقتصادية متعددة.

وقد تعذر المؤسسات المالية الإسلامية بمختلف تشكيلاتها المذكورة أعلاه عن تحقيق الأهداف الاجتماعية والإنسانية التي كان ينتظر منها؛ كونها مؤسسات ربحية لديها مساهمون، وهي في النهاية مؤتمنة على تحقيق أرباح عادلة لهم، باعتبارهم شاركوا بها ودعموها بما رفعته من شعار: تحري الحلال في عملها.

أما الدور الاجتماعي والإنساني في شتى مجالات مكافحة الفقر والتخلف والمرض ونشر العلم والصحة، وغيرها من الأدوار المنتظرة لتعديل أوضاع الأمة وانتشالها من واقعها المزري، فيمكن أن تسهم فيه المؤسسات المالية الإسلامية الربحية بجزء منه، أما الدور الاجتماعي والإنساني الأكبر فيمكن أن
يتحقق في تفعيل قطاعي (الزكاة والوقف) المؤسسي؛ باعتبارهما يشكلان الطرف الآخر في مفهوم الصناعة المالية الإسلامية بشقيها (الربحي والخيري).
ولذلك ينبغي أن تتم دراسة كيفية تفعيل مؤسسات الوقف والزكاة؛ لاعتباراتهما التشريعية في نهضة الأمة، وما يمكن أن تلعبه من دور مؤسسي منشود فعال. أما انتظار النتائج من المؤسسات المالية الإسلامية الربحية وحدها، فهو ضرب من الخيال، كحال من يزرع زرعاً في أرض مالحة سبخة، وينتظر ثمراً يانعاً طبياً.


المصرفية الإسلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع