مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي


من ضوابط فهم السنة النبوية (2): استحضار بيئة النص العامة

أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg


31/07/2023 القراءات: 438  


أيّها الأكارم: هناك ضوابط متعددة تتعلق بفهم السنّة النبوية الشريفة، وقد كنت في مقال سابق قد تعرضت لضابط وهو التفريق بين دلالات الأحاديث المطّردة وبين الدّلالات التدبيرية المؤقتة، واليوم سنتعرض لضابط جديد وهو: استحضار بيئة النص العامة:
يُقصد ببيئة النص، تلك الظروف والملابسات التي صدر عنها النّص النّبوي، ويشمل بطبيعة الحال ظروف الناس وحالاتهم التي تعامل معها النبي (ص)، وهكذا ظروف الجزيرة العربية وحالاتها من بيئتها، ومناخها، وأعرافها وتقاليدها وعاداتها ومشاغلها واهتماماتها.
وعندما كان القرآن الكريم يتنزّل منجّما، وكانت تشريعاته تتدرّج في التكاليف على النّحو المعروف في تاريخ التشريع، كان النبي (ص) يباشر تطبيق تلك التشريعات والتكاليف في المدينة المنورة، تنفيذا لأوامر الله تعالى، وبيانا فعليا لما اقتضته من تكاليف، وإذا كان القرآن يتميّز بإطلاقية نصوصه على نحو كلّي مطّرد مجرّدٍ عن الحوادث والوقائع، فإنّ البيان النبوي والتطبيق الرّسولي كان يعالج مشكلات المجتمع العربي الذي عاش النبي (ص) فيه، ويباشر قضايا أهله ويشرف على تعليمهم وإرشادهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك المعالجات التي وقعت من النبي (ص) لقضايا مجتمعه ومشكلاته المختلفة والمتنوعة، قد راعى فيها عليه الصلاة والسلام خصائص البيئة، والأعراف الجارية في مخاطباتهم ومعاملاتهم وطرائقهم في العيش والكسب، فكان خطابه (ص) متلائما مع هذه البيئة، ويناسب قضايا أهلها، وأن هذا الخطاب وإن اتّسم بخلود صلاحيته بالنظر إلى ما يحمله من قيم عليا، فإنه في ذات الوقت قد تضمّن من المعاني والعلل ما يُفهم منه نسبية بعض المعالجات النبوية المرتبطة بالبيئة، والتي تدور مع علتها وجودا وعدما.
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبق التعاليم القرآنية في فراغ بل كان ذلك ضمن دائرة مجتمعه بما يحمله من عادات وتقاليد وأعراف، وضمن أيضا الحدود الجغرافية للجزيرة العربية والحدود الزمانية أي القرن السابع للميلاد.
إن استحضار بيئة النص عند عمليّة الفهم، سيكفل لنا حسن الفهم على مستويين:
-أن نفرق بين السنة والتي هي الجانب العملي والتطبيق الرسولي للتعاليم القرآنية والحديث.
-أن تحمل مجمل الأحاديث القولية على نحو تدبيري مؤقت، ما لم يكن ذلك الحديث داعما لأصل قرآني.
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال النبــــــي (ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدَّة شعبان ثلاثين».
ففي هذا الحديث نجد النبي(ص) قد باشر تطبيق التعاليم الإلهية الواردة في حق من شهد شهر رمضان، وذلك بإحالة مجتمعه على ما تيسر من وسائل تمكّن الأفراد من مراقبة الهلال، ولم يكن آنذاك إلا أن يتابعوه بالعين الباصرة، إذا لا تكليف بغير ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..)، ومن يتتبع الهلال بهذه الطّريقة، سيلاقي حتما اختفاء له أحيانا، بسبب الغبار أو الغيم أو غيرهما من الأسباب، أو يلاقي اختلافا في إمكان الرؤية بين مكان ومكان، واليوم الأمة الإسلامية وبسبب ما وصلت إليه الإنسانية من تقدم وتطور، أصبح في الإمكان متابعة الهلال ورصده بالآلات المتقدّمة، والتي ضيّقت دائرة الخلاف جدا بين الناس، وصرنا نقف على نتائج واضحة وباهرة، مكنتنا من الحصول على المعلومات شبه اليقينية ذات الصلة بالقمر ودورانه، والهلال وولادته، بل وحساب ذلك لعدة سنوات لاحقة.
إن مراعاة مثل هذه الضوابط سيزيل عديد العقبات، ويتيح بروزا أكثر ودورا أكبر لاسترجاع المكانة للقرآن الكريم، في ظل هيمنة الحديث وأقوال الأوائل.


فهم السنة، بيئة النص، السنة التدبيرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع