مدونة عبدالحكيم الأنيس


المرأة والقرآن: الجزء الأول

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


22/03/2022 القراءات: 1477  


للمرأة مع القرآن تاريخٌ حافلٌ، وقد كان لها فيه وفي أسباب نزوله أخبارٌ وآثارٌ، ومن المشهور قولُ الصحابية أم هشام بنت حارثة بن النعمان: لقد ‌كان ‌تنُّورنا وتنورُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذتُ (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلَّ يوم جمعة على المنبر إذا خطبَ الناس.
وهذه لمحاتٌ وقطوفٌ في هذا الموضوع الجميل، وأرجو أنْ أضيف عليها أنا وغيري حتى يتكامل بناؤها، ويشرق سناؤها.
أولًا: المرأة والحفظ:
-مِنْ حافظات القرآن القارئة الشهيدة أمُّ ورقة الأنصارية: كانتْ تؤمُّ المؤمنات المهاجرات، ويزورُها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين والأوقات.
روى أبو نُعيم الأصبهاني عن الوليد بن جميع، ‌حدثتني ‌جدَّتي، عن أمِّها أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث الأنصاري، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزورُها ويسمّيها الشهيدة، وكانت قد جَمعت القرآنَ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرًا قالتْ له: ائذنْ لي فأخرج معك وأداوي جرحاكم وأمرِّض مرضاكم لعل الله يهدي إلي الشهادة؟ قال: إن الله عز وجل مهدٍ لك الشهادة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَها أنْ تؤم أهل دارها حتى عدا عليها جاريةٌ وغلامٌ لها كانتْ قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله تعالى عنه فقيل له: إنَّ أمَّ ورقة قد قتلها غلامُها وجاريتُها، فقال عمرُ: صدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كان يقولُ: انطلقوا فزوروا الشهيدة.
-آمنة بنت حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة (المتوفاة سنة: 643).
قال الذهبي: "أختُ القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي، وزوجةُ الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحد.
قال [زوجُها]: تُوفيتْ في سلخ جُمادى الأولى، وكانتْ ديّنةً خيّرةً موافقةً، ‌حفظتْ ‌عليَّ ‌القرآنَ ‌العزيز، رحمها الله تعالى".
-سلمى بنتُ الإمام ابن الجزري (المتوفى سنة: 833).
ترجمها أبوها فقال: "سلمى بنتُ محمد بن محمد، أمُّ الخير ابنتي، نفع الله تعالى بها ووفقها لما فيه صلاحُها دُنيا وأخرى، شرعتْ في حفظ القرآن سنة ثلاث عشرة، وحفظتْ مقدمة التجويد وعرَضتها، ومقدمةَ النحو، ثم حفظتْ طيبة النشر الألفية، وحفظت القرآن وعرضته حفظًا بالقراءات العشر، وأكملته في الثاني عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثماني مئة قراءةً صحيحةً مجودةً مشتملةً على جميع وجوه القراءات، بحيث وصلتْ في الاستحضار إلى غايةٍ لا يشاركها أحدٌ في وقتها، وتعلمت العروض والعربية، وكتبت الخط الجيد، ونظمتْ بالعربي والفارسي، هذا وهي في ازديادٍ إن شاء الله تعالى، وقرأتْ بنفسها الحديث، وسمعتْ مني وعليَّ كثيرًا، بحيث صار لها فيه أهليةٌ وافرةٌ، فالله يسعدها ويوفقها للخير في الدنيا والآخرة".
-الشيخة الأريبة الأديبة عائشة الباعونية المتوفاة سنة (922):
جاء في ترجمتها لنفسها: «‌أهّلني ‌الحقُّ ‌لقراءة كتابه العزيز، ومَنَّ عليَّ بحفظه على التمام، ولي من العمر ثمانية أعوام».
-أمُّ الزين المَدنيّة:
قال الكتاني في ترجمة الشيخ صالح الفلاني (1166-1218): "ومِن شيوخه أيضًا الشيخة (أم الزين زوجة المرحوم الشيخ ‌محمد ‌سعيد ‌سفر المَدنيّة)، فقد وجدتُّ في إجازة الشيخ إسماعيل بن سعيد سفر للعربي الدمناتي أنَّ الفلاني قرأ عليها، ولكن لم يترجمها في "ثبَته" الكبير الذي منه نقلتُ ما رأيتُ مِنْ أسماء شيوخه، ولعله لم يكمله، نعم وجدتُّه ذكرَها في ترجمته شيخه العلامة الشهاب أحمد بن ‌محمد ‌سعيد ‌سفر على أنها مِن شيوخه، وأنَّ ولادتها كانتْ سنة (1153).
وأمُّ الزين هذه قال عنها ولدُها الشيخُ إسماعيلُ بن ‌محمد ‌سعيد ‌سفر المدني في إجازته للدمنتي: "هي شيخةُ مشايخ الحرمين، ومَنْ وُجد الآن بهما من المدرسين يأخذُ عنها بواسطة أو واسطتين أو أكثر، وحيدة في العلوم المنطوق والمفهوم، حفظت القرآنَ بالعشر، والخمسة وعشرين متنًا من سائر الفنون وهي بنتُ سبع سنين، وجاء بها والدُها إلى والدي محمد سعيد فقال له: أقرئها الكتب الستة، والبيضاوي، والكشاف، وأخذتْ عن خالها عمر المالكي".
***
ثانيًا: المرأة والتلاوة والعلم بالقرآن:
من النماذج المشرقة في ذلك:
-أسماء بنت أبي بكر (ت: 73):
روى أبو نُعيم عن عروة بن الزبير قال: ‌دخلتُ ‌على ‌أسماء ‌وهي ‌تصلي فسمعتُها وهي تقرأ هذه الآية: {فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم} فاستعاذتْ، فقمتُ وهي تستعيذُ فلما طال عليَّ أتيتُ السوق، ثم رجعتُ وهي في بكائها تَستعيذ".
-أم الدرداء (ت بعد: 81):
مِنْ أخبار هذه المرأة الصالحة أم الدرداء، أنها قرأت القرآن على الصحابي الجليل حكيم اﻷمة أبي الدرداء: عويمر بن زيد (ت:32).
-حفصة بنت سيرين (ت ما بين 101-110):
قال ابنُ الجوزي: "عن هشام أنَّ ابن سيرين كان إذا أشكلَ عليه شيءٌ من القراءة قال: اذهبوا فسلوا ‌حفصةَ ‌كيف ‌تقرأ".
-أم المحدِّثين الحسن وعلي ابني صالح الثوري:
مِنْ أخبارها مع القرآن ما نقله المزي، قال: "عن وكيع: كان علي والحسن إبنا صالح بن حي، وأمهم قد جزَّؤا ‌الليل ‌ثلاثةَ أجزاء، فكان عليٌّ يقومُ الثلثَ وينام، ويقوم الحسنُ الثلثَ، ثم ينام، وتقوم أمهُما الثلثَ، فماتتْ أمُّهما فجزّآ الليلَ بينهما، وكانا يقومان حتى الصباح، ثم مات عليٌّ [سنة 151]، فقام الحسنُ به كله [ومات سنة 169]".


تاريخ المرأة. الدراسات القرآنية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع