مدونة فاطمة عيسى محمد


حب غرناطة من كتابي غراس الحب

الدكتورة : فاطمة عيسى محمد | Dr.fatma Essa Mohammad


16/12/2024 القراءات: 13  


وصلنا غرناطة وفي اليوم الأول للمؤتمر كلفني رئيس المؤتمر بإلقاء كلمة المشاركين نيابة عن أحدهم ، خلال حفل الافتتاح ، بعدها استمتعنا بالجلسات العلمية المتنوعة في تخصصات عدة خلال فترة الصباح ، ثم كانت لنا جولة في غرناطة وزيارة لقصر الحمراء، الذي كنا نسمع عنه ونقرأ في كتب الأدب والتاريخ ، وها نحن اليوم نزوره.

كنا في أشد الشوق لزيارة معالم الأندلس التاريخية، لنمتع أنظارنا بما تبقى من أطلال تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي المجيد ، بدأنا الرحلة كان الجو رائعاً، والسماء متزينة بتكتلات السحب وكأنها قطن أبيض متناثر على بقعة زرقاء تكشف عن لوحة ربانية .

غرناطة تنادينا ، هاهى قد ازدانت بآثار العمران الإسلامي، وجدران الحجر الطيني تزيدها جمالاً، ارتقينا التلة لنرى أشجار الزيتون الموزعة بتناسق على طرفي الشارع المؤدي إلى موطن الحافلات السياحية، ترجلنا بعدها لندخل القصر.

هنا نحن في غرناطة، هنا في قصور الحمراء وقلاع غرناطة، هنا حيث مر المسلمون أيام الدولة الأموية في الأندلس ، هنا حيث أشجار التين والزيتون ، والرمان، والجوز، وكم تغنى شعراء الأندلس بذاك الجمال، والتي مازالت أبياتهم منقوشة على جدران قصر الحمراء، وقصر جنة العريف مصيف الخلفاء آنذاك شاهدة على ذلك الإبداع.

حاول كثير من الكتاب سبر أغوار تلك النقوش لفهم تاريخ النقوش الشعرية العربية ، ومنهم المستعرب الأسباني (إيميليو غارثيا غوميثو) خلال رحلته العلمية في غرناطة ، الذي أصدر كتاب (أشعار عربية على جدران قصر الحمراء ونوافيره) وأبرز القيمة الجمالية لشعر النقوش لأبيات الوزراء الثلاثة: ابن الجياب وابن الخطيب وابن زمرك، وتُرجم كتابه للعربية.

صدر مؤخراً كتاب حول الصورة الفنية لشعر النقوش بقصور الحمراء، للكاتب المغربي (السعيد الدريوش) حيث اعتبر الكاتب أن هذه النقوش الشعرية ذات قيمة وجودية ، إضافة لقيمتها الأدبية والتاريخية .

وقد عاش الشاعر نزار قباني حياة جديدة في أسبانيا ، ونظم بعض سردياته فيها، كأحزان في الأندلس ، وأوراق اسبانية ، وغرناطة، التي ترجمت إلي عدة لغات ، ومما نظمه من الأبيات :

لم يبقى في أسبانيا منا ومن عصورنا الثمانية
غير الذي يبقى من الخمر بجوف الآنية
لم يبقى من قرطبة سوى دموع المئذنات الباكية
لم يبقَ من غرناطةٍ ومن بني الأحمر إلا ما يقول الراوية.

فعل ما فعل (كارلوس) حفيد )ايزابيلا( لتشويه قصر الحمراء لإذلال أهل غرناطة، ومحاولة منه لتمويه الأثر الإسلامي بذلك البناء الكبير الخاوي وسط القصر، تجولنا بعدها ، إنها آثار الصليب هنا في وسط الجدران بين النقوش والخطوط العربية، ليقنعوا أنفسهم بأن الحضارة نصرانية.

لك أن تتخيل لحظة دخول القشتاليون إلى غرناطة آخر معاقل الإسلام وهم ينفخون الأبواق، ويدقون الطبول ، وينقرون على الدفوف معلنين هزيمة المسلمين ، فحفروا الخنادق وشيدوا
الأبراج، والجسور الخشبية ، ونصبوا مدافعهم حماية ً لفرناندو وإيزابيلا، القادمين من قرطبة.


لم يجد التجار المسلمون إلا أن يسلموا أنفسهم وبلادهم للروم ، أو تقطع رؤوسهم ، على حسب بنود الاتفاقية التي بموجبها بيعت غرناطة بثمن بخس، بل أهديت لايزابيلا، فأول شروط الاتفاقية كانت تقتَضي بأن يقوم كل من ملك غرناطة ، وقادة الجيوش، والفقهاء ، والعلماء، والمفتين بتسليم غرناطة خلال ستون يوماً ، وهو ما أقره الوزيران أبو القاسم بن عبدالملك ، ويوسف بن كماشة في اجتماع الحمراء.
حينها بكى أبو عبدالله محمد الصغير ، على ملك لم يصنه، وانتحب القادة والوزراء وحوقلوا.
لاحول ولا قوة إلا بالله
ولم يجرؤ أحداً على الاعتراض ، أو الرفض .
تجولنا في قصر الحمراء ، وشاهدنا النقوش ، وتلك العمارة الفريدة من نوعها عمارة إسلامية وزخرفة مغربية ، تحوي أبياتاً شعرية ، وحكماً وأمثالاِ عربية.

ثم تنزهنا في (جنة العريف ) وهو ذلك القصر الذي يقع قرب قصر الحمراء ، حيث كان ملوك غرناطة المسلمين يتخذونه مكاناً للراحة والاستجمام، أي ربما نعتبره (مصيف الأمراء) في عصر الإزدهار الأندلسي ، وجاء اسمه من (جنة ) هي الأرض وارفة الظلال والخضرة ، و(العريف) سفح الأرض المرتفع ، فهو بحق جوهرة أسبانيا السياحية حالياً، كما راق لهم أن يطلقوا عليه، خاصة بعد عمليات الترميم والتجميل الحديثة.

ويصعب علينا وصف جماله بالكلمات، فهو يقع على ربوة الشمس مما يضفى عليه إطلالة خلابة وقت الغروب، أما ممراته فمزينة بأشجار النارنج والزهور المتنوعة ، وتزين أوسطه جداول المياه والنوافير ، وأحواض الزينة المستطيلة، وسواقي المياه ، صمم قصر جنة العريف على شكل مدرجات بست مستويات ينهمر الماء من أعلاها من العيون التي تصب في قنوات وتمر من خلالها على الأشجار المحيطة في منظر يسلب الألباب ، وأنت تجلس بين أشجارها وتستمع لخرير الماء ، وسط صفاء السماء وزقزقة الطيور ، حتى وصفوها بظل ممدود ، وماء مسكوب. ومما قال فيها الشاعر الوزير ابن زمرك:
يا ساكني جنة العريف .... أســــــــكنتم جنة الخلود
كم ثم من منظر شريف .... قد حف باليمن والسعود
ورب طود به منيف .... أدواحة الخصـــــر كالبنود
والنهر قد سال كالحسام .... ولراحة الشرب مستديم
والزهر قد راق بابتسام .... مقـــــــــبلا راحة النديم

بهرنا جمال جنة العريف قضينا بها بعض الوقت ، ثم ذهبنا إلى جولة حيي البيازين

…يتبع 3


غرناطة ،جنة العريف،قصر الحمراء،القشتاليون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع