مدونة ا.م.د. رجاء خليل الجبوري


المرأة والبيئة: قيادة التغيير نحو مستقبل مستدام

ا.م.د .رجاء خليل الجبوري | Assist Prof Dr Rajaa .K. Aljubore


20/01/2025 القراءات: 61  



في عالمنا المعاصر، أصبح من الواضح أن الاستدامة البيئية ليست فقط قضية علمية أو اقتصادية، بل هي قضية اجتماعية تتطلب انخراط جميع الفئات في المجتمع. من بين هؤلاء الفئات، تحتل المرأة مكانة خاصة في قيادة التغيير نحو مستقبل بيئي مستدام. تاريخيًا، لعبت المرأة دورًا أساسيًا في الحفاظ على البيئة من خلال دورها التقليدي في الأسرة والمجتمع، لكنها اليوم تتوسع لتأخذ مكانها في الخطوط الأمامية للجهود العالمية لحماية كوكب الأرض. سواء من خلال ريادة الأعمال البيئية أو النشاطات السياسية أو في العمل المجتمعي، فقد أثبتت المرأة قدرتها الفائقة على إحداث تغيير إيجابي ومستدام.

دور المرأة التقليدي في البيئة: الحافظات للطبيعة
في العديد من الثقافات حول العالم، كانت المرأة تمثل الرابط الأساسي بين الإنسان والطبيعة. في المجتمعات الريفية، على سبيل المثال، كانت النساء مسؤولات عن الزراعة المستدامة، والاعتناء بالموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية. في كثير من الأحيان، كانت النساء هن الأكثر قدرة على تطبيق تقنيات الزراعة المستدامة التي تحافظ على التوازن البيئي وتحسن جودة الأرض والمياه، مما يعكس دورهن كحافظات للموارد الطبيعية. كما أن المرأة، بسبب ارتباطها العميق بالعائلة والمجتمع، كانت تُعتبر أكثر وعيًا بمخاطر تغير المناخ وتدهور البيئة، وبالتالي كانت دافعة للتحولات في أسلوب الحياة الذي يتسم بالحفاظ على الطبيعة.

المرأة: قيادة في مجال الابتكار البيئي
اليوم، أصبحت النساء روادًا في مختلف المجالات البيئية، بما في ذلك الطاقة المتجددة، إعادة التدوير، والزراعة البيئية. ففي الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تأثيرات التغير المناخي على مستقبل الأرض، بدأت العديد من النساء في تحويل هذه المخاوف إلى فرص.
مثال بارز هو دور النساء في قطاع الطاقة المتجددة. في العديد من البلدان النامية، بدأت النساء في قيادة المبادرات التي تهدف إلى توفير حلول طاقة مستدامة للمجتمعات. من خلال المشاريع الشمسية في أفريقيا إلى مبادرات طاقة الرياح في مناطق أخرى من العالم، النساء يقفن في طليعة الجهود لتوفير مصادر طاقة آمنة ونظيفة، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من انبعاثات الكربون الضارة.

كذلك، نجد النساء في الزراعة المستدامة يبتكرن طرقًا جديدة لمكافحة التصحر وزيادة الإنتاج الزراعي دون الإضرار بالتربة أو المياه. وقد أصبح من الشائع أن ترى نساء رائدات في الزراعة العضوية، حيث يستخدمن الأساليب القديمة والجديدة بشكل متكامل للمساهمة في إنتاج الغذاء بشكل مستدام.

المرأة والسياسات البيئية: من المنظمات المحلية إلى الأمم المتحدة
ليس دور المرأة في حماية البيئة مقتصرًا على المبادرات المجتمعية فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل المشاركة الفعّالة في صناعة السياسات البيئية على المستويين المحلي والدولي. فقد كانت النساء من أوائل المدافعين عن اتفاقية باريس لتغير المناخ، حيث ساهمت ناشطات بيئيات في إحداث تأثير قوي على مؤتمر الأطراف (COP)، وهو الهيئة الرئيسية لصنع القرار بشأن تغيّر المناخ.

من أبرز النساء المؤثرات في هذا المجال هي وانغاري مااثاي من كينيا، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي كانت تدعو إلى إعادة التشجير وحماية الموارد الطبيعية. مااثاي أطلقت مبادرة الحزام الأخضر، وهي حملة تهدف إلى زراعة الأشجار في مناطق شديدة التأثر بتدهور البيئة. هذا النوع من النشاطات لا يسهم فقط في زيادة المساحات الخضراء، بل يعزز أيضًا الوعي البيئي في المجتمعات.
اليوم، تقوم العديد من المنظمات الدولية بتشجيع النساء على الانخراط في العمل البيئي على أعلى المستويات. على سبيل المثال، برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) يدعم قيادة المرأة في مجال البيئة من خلال شراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير سياسات تدعم مشاركة النساء في اتخاذ قرارات بيئية حاسمة.

دور المرأة في التكيف مع تغير المناخ: الحفاظ على المجتمعات المحلية
المرأة تلعب أيضًا دورًا حيويًا في مواجهة تحديات تغير المناخ، حيث تزداد تأثيرات هذه الظاهرة على المجتمعات الفقيرة والريفية، التي يعتمد جزء كبير منها على الزراعة التقليدية والموارد الطبيعية. النساء، وبشكل خاص في مناطق آسيا وأفريقيا، يقمن بتوجيه الأسرة والمجتمع نحو طرق التكيف مع التغيرات البيئية، مثل تأمين الغذاء والمياه في ظل فترات الجفاف، وحماية الممتلكات الزراعية من الفيضانات أو العواصف.
النساء في هذه المناطق لا يقتصر دورهن على التكيف مع التغيرات البيئية فحسب، بل أيضًا المشاركة في التوعية المجتمعية وتطوير حلول تكنولوجية محلية تساعد في التعامل مع الظروف البيئية المتغيرة. على سبيل المثال، في مناطق جنوب آسيا، ساهمت النساء في تطوير طرق إدارة المياه التي تساهم في تقليل الفاقد من المياه وزيادة إنتاج المحاصيل.

التحديات التي تواجه المرأة في القيادة البيئية
رغم دور المرأة البارز في مجال البيئة، لا تزال تواجه العديد من التحديات في الحصول على التمويل، الدعم السياسي، و المشاركة في صنع القرار. ففي العديد من الثقافات، لا يُنظر إلى المرأة كقائدة بيئية ذات تأثير فاعل، مما يحد من قدرتها على إحداث التغيير الجذري. علاوة على ذلك، توجد فجوة في التعليم البيئي بين الجنسين، مما يعزز من فرص انخراط النساء في أدوار قيادية بيئية.

تتمثل إحدى أكبر التحديات في غياب الدعم الحكومي في العديد من الدول النامية، حيث تُعتبر قضايا البيئة غالبًا غير ذات أولوية مقارنة بقضايا أخرى مثل الاقتصاد والسياسة. لذا، فإن المرأة في هذه المناطق تجد نفسها في صراع مزدوج: من ناحية، تسعى إلى الحفاظ على البيئة، ومن ناحية أخرى، تكافح من أجل الحصول على الاعتراف والمساواة في مجال القيادة البيئية.
نحو مستقبل مستدام: دعم المرأة كقائد بيئي
لضمان المستقبل المستدام، يجب دعم المرأة بشكل أكبر في المجالات البيئية. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية تخصيص موارد أكبر لدعم النساء في التعليم البيئي


المستقبل المستدام البيئة. المرأة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع