مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


مقصد الحرية: ركيزة أساسية في التربية الإسلامية المعاصرة

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


03/11/2024 القراءات: 25  



مقدمة:
تعتبر الحرية من أسمى القيم الإنسانية التي سعى الإنسان على مر العصور إلى تحقيقها والحفاظ عليها. وفي الإسلام، وتعد مقاصد الشريعة من أهم الأركان التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، حيث تسعى إلى تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة. وقد اختلف العلماء في تحديد عدد هذه المقاصد، إلا أن الإجماع تركز على خمسة مقاصد أساسية: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال. ومع تطور الفكر الإسلامي، برزت حاجة إلى إضافة مقصد سادس وهو "الحرية"، وذلك لارتباطه الوثيق بكرامة الإنسان وحقوقه.
وفي هذا المقال، سنتناول المقصد السادس من مقاصد الشريعة، وندرس العلاقة الوثيقة بين الحرية والتربية، مع التركيز على دور الحرية في النموذج التربوي الإسلامي ومقارنته بنماذج تربوية أخرى.
الحرية في منظور مقاصد الشريعة(المقصد السادس من مقاصد الشريعة):
مقصد الحرية يعني تمكين الفرد من التصرف في نفسه وماله وسائر شئونه في حدود ما يرضي الله تعالى. وقد أولى العلماء المسلمون اهتمامًا كبيرًا بهذا المقصد، وبيّنوا أن الحرية ليست مجرد غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق أهداف سامية، مثل العبادة والتقوى والبناء الحضاري.
إن إضافة المقصد السادس "الحرية" إلى مقاصد الشريعة يعكس فهمًا عميقًا للإنسان وطبيعته. فالحرية ليست مجرد مفهوم فلسفي، بل هي حق أساسي لكل فرد، وتعتبر شرطًا ضروريًا لتحقيق التنمية الشاملة والسعادة.
ولعل من أبرز الداعين إلى اعتبار الحرية مقصدًا من مقاصد الشريعة هو الإمام محمد الطاهر بن عاشور، الذي أشار إلى أن الحرية تمكن الفرد من التصرف دون معارضة في نفسه وماله وسائر شئونه في ضوء أحكام الشرع.
الحرية والتربية:
إن للحرية دورًا بالغ الأهمية في عملية التربية، فهي الأساس الذي تبنى عليه شخصية المتعلم المتوازنة والواعية. فمن خلال الحرية، يتعلم الفرد المسؤولية والاستقلالية واتخاذ القرارات الصائبة. كما أن الحرية تشجع على الإبداع والابتكار، وتنمي لدى الفرد القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات.
الحرية كعمود فقري للتربية:
إن الحرية تمثل العمود الفقري للتربية الإسلامية، فهي الأساس الذي تبنى عليه جميع القيم التربوية الأخرى. فالتربية الإسلامية لا تسعى إلى تلقين الطالب معلومات جاهزة، بل تسعى إلى تنمية قدراته ومهاراته، وجعله قادراً على التفكير النقدي والإبداع، واتخاذ القرارات الصائبة. وعندما يتمتع الطالب بالحرية في التفكير والتعبير، فإنه يكون أكثر قدرة على التعلم والاستيعاب، وأكثر ارتباطًا بما يتعلمه.
أبعاد الحرية في التربية:
الحرية الفكرية: تشجيع الطلاب على التفكير بحرية والتعبير عن آرائهم دون خوف أو تردد، والبحث عن المعرفة من مصادر متعددة.
الحرية الأكاديمية: منح الطلاب حرية اختيار المواد الدراسية والأنشطة التي تناسب ميولهم وقدراتهم، وتشجيعهم على المشاركة في الأبحاث والمشاريع العلمية.
الحرية الاجتماعية: تهيئة بيئة مدرسية تسمح للطلاب بالتفاعل مع الآخرين واحترام آرائهم، وتنمية روح التعاون والتسامح.
الحرية الدينية: احترام معتقدات الطلاب الدينية، وتوفير بيئة تعليمية تساهم في تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي.
دور المربي في تحقيق الحرية:
يلعب المربي دورًا حاسمًا في تحقيق مبدأ الحرية في العملية التربوية. فعليه أن يقوم بدور المرشد والمرشد، وأن يوفر للطلاب الدعم والتشجيع اللازمين. كما يجب عليه أن يعلم الطلاب حدود الحرية، وأن يشرح لهم أهمية المسؤولية والالتزام بالقيم والأخلاق.
مقارنة الحرية في النموذج التربوي الإسلامي بنماذج تربوية أخرى:
إذا قارنا النموذج التربوي الإسلامي ببعض النماذج التربوية الأخرى، سنجد أن هناك اختلافات جوهرية في التعامل مع مفهوم الحرية.
النموذج التربوي الغربي: يركز النموذج التربوي الغربي على فردية المتعلم وحريته المطلقة، وقد يؤدي هذا إلى فقدان الشعور بالمسؤولية والتضامن الاجتماعي.
النموذج التربوي الشيوعي: يركز النموذج التربوي الشيوعي على خدمة المجتمع والجماعة، وقد يقيد هذا من حرية الفرد في التفكير والاختيار.
أما النموذج التربوي الإسلامي فيمثل توازنًا بين الحرية والمسؤولية، بين الفردية والجماعية. فهو يحترم كرامة الإنسان وحريته، وفي الوقت نفسه يوجهه نحو الخير والصلاح، ويجعله عضوًا فاعلًا في مجتمعه.
التحديات التي تواجه تحقيق الحرية في التربية:
الخوف من الفوضى: يخشى البعض أن يؤدي منح الطلاب الحرية إلى الفوضى وعدم الانضباط.
التركيز على الحفظ والتلقين: لا تزال بعض المؤسسات التعليمية تركز على الحفظ والتلقين، مما يحد من فرص الطلاب للتعبير عن أنفسهم.
الضغوط الاجتماعية: تتأثر حرية الطلاب بالضغوط الاجتماعية والتوقعات العائلية والمجتمعية.
خاتمة:
إن الحرية هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي ضرورة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وعلى المؤسسات التعليمية والمربين أن يعملوا جاهدين لترسيخ مفهوم الحرية في نفوس الطلاب، وأن يوفروا لهم البيئة المناسبة للإبداع والابتكار. فمن خلال الحرية، يمكننا بناء أجيال واعية ومبدعة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.


الحرية، مقاصد الشريعة، التربية، التعليم، المسؤولية، الإبداع، الابتكار.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع