مدونة الدكتور محمد محمود كالو


كلمة الحق: قذيفة ربَّانية في وجه الباطل

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/09/2022 القراءات: 924  


كلمة الحق: قذيفة ربَّانية في وجه الباطل
الإنسان الذي يحمل الحق إنسان يعتز بدينه، إنسان له ضمير، رسخ الإيمان في قلبه، ولذلك فإن قول الحق في كل شيء صاحبه قوي لأنه يعلم أن الباطل سوف تهتز هيبته وتتصاغر، فعلى الإنسان أن يقول الصدق وأن ينطق بالحق، ولو كره الناس ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على ذلك، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ).
وكلمة الحق، قذيفة ربَّانية في وجه الباطل، تُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، حتَّى يصل الهلاك إلى دماغه؛ فيعطب ويتلف.
كما أن كلمة الحق كالمطر النازل من السماء؛ حيث تسيل به الأودية، وتفيض به العيون، وتسقى به الأرض بعد موتها، وينتفع بها الخلق منافِع شتَّى.
وكلمة الحق ما كانت تُقال لِتُقمَع، بل لكي يظهر أثرُها ويسْطَع، ويزهق الباطل ويُقلع.
ولا عجب في ذلك، فإن القرآن الكريم هو الحق القويم، ودعوة إلى الحق المبين.
وكلمة (الحق) ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وثمانين ومائتي 283 موضع، جاء في أكثرها بصيغة الاسم، نحو قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [البقرة:119].
وجاء في اثنين وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت:25].
وقد وردت كلمة(الحق) على معان عدة، نذكر منها:
1- الله سبحانه وتعالى، من ذلك قوله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ [المؤمنون:71]. قال مجاهد وغيره: الحق هو الله عز وجل.
2- القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:5]. قال البغوي وغيره: القرآن. ونحوه قوله سبحانه:  بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ [الزخرف:29]، يعني: القرآن، كما قال الشوكاني وغيره.
3- الإسلام، من ذلك قوله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، قال القرطبي: يعني دين الله الإسلام، ونحوه قوله سبحانه:  لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال:8)، قال القرطبي: أي: يظهر دين الإسلام ويعزه.
4- العدل، من ذلك قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25]، قال ابن كثير: أي: وعده ووعيده وحسابه هو العدل، الذي لا جور فيه. ونحوه قوله سبحانه:  فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ [ص:22]، قال الطبري: فاقض بيننا بالعدل.
5- التوحيد، من ذلك قوله تعالى:  فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص:75]، قال الطبري: عني بالدعوة الحق؛ توحيد الله، وشهادة أن لا إله إلا الله.
6- الصدق، من ذلك قوله تعالى:  قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:37]، قال البغوي: أي: الصدق الواقع لا محالة، يريد أن ما وعده حق كائن.
7- وجوب العذاب على الكافرين، من ذلك قوله تعالى:  وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ‎ [السجدة:13]، أي: وجب العذاب مني لهم.
8- الحق الذي يضاد الباطل، من ذلك قوله تعالى:  ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الحج:6]. أي: إنه سبحانه هو الحق الذي لا شك فيه، وأن من سواه باطل.
9- الدَّيْن الذي في الذمة: من ذلك قوله تعالى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا [البقرة:282]، قال ابن كثير: وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدَّين.
10- الأولوية والأحقية، من ذلك قوله تعالى:  وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ [البقرة:247]، أي: نحن أولى بالملك منه.
11- الحظ والنصيب، من ذلك قوله تعالى:  وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، أي: نصيب مقسوم. ونحوه قوله سبحانه:  ذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ [المعارج:24]، قال ابن كثير: أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات.
12- الحاجة، من ذلك قوله تعالى:  قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79]، أي: ليس لنا فيهن حاجة.
13- البيان، من ذلك قوله تعالى: قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، قال قتادة: الآن بيَّنت لنا، ونحوه قوله سبحانه:  وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ [هود:120]، أي: جاءك في هذه السورة بيان لخبر الرسل من قبلك.
14- الإنجاز والتأكيد، من ذلك قوله تعالى: وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111]، أي: ما قضى به سبحانه أمر لا بد منه..


كلمة الحق، قذيفة، وجه الباطل، العدل، الصدق، التوحيد، الحظ والنصيب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع