مدونة د. نايف بن ناصر المنصور


مقال- الصدق أحوال وآثار

الدكتور نايف بن ناصر المنصور | Naif naseer almansoor


16/11/2021 القراءات: 4971  


الصدق: أحوال وآثار
عندما نتكلم عن الصدق الذي يُعد جزءًا من الأخلاق الحسنة، وقد تَمَّ تعريف الخُلق من قبل أهل العلم واللغة بأن هو الطبع والسجِيَّة، وهيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعالُ بسهولة ويُسر، من غير حاجة إلى فكرٍ ورَوِيَّة، فتعريف الصدق هنا أيضًا هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب؛ قال القرطبي رحمه الله: الصِّدِّيق هو الذي يحقِّق بفعله ما يقوله بلسانه.
ونحن نحتاج في هذا العصر الحديث عصرِ الماديات والتكنولوجيا - إلى أن نُحَسِّن من أخلاقنا، والحث على التعامل فيما بيننا بالصدق في القول والعمل؛ حيث إن الدين الإسلامي حثنا على الصدق والتِزامِه؛ كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، ففي هذه الآية أمَرَ ربُّنا تعالى بالتقوى، وهي فعل الصالحات، وتجنُّب المعاصي، وأن نكون مع الصادقين؛ أي: منهم، في أقوالهم، وأفعالهم، ونواياهم، ويكفي أن الصدق صفة من صفات الله سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 95]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وكذلك هو من صفات الأنبياء والرسل؛ قال تعالى: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 52].
أيضًا جاء في السُّنَّة المطهَّرة الحث على الصدق؛ قال النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
ومن أقوال سلفنا الصالح عن قيمة الصدق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "قد يبلغ الصادق بصدقه، ما لا يبلغه الكاذب باحتياله"، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أربع مَن كنَّ فيه فقد ربح: الصدق، والحياء، وحُسن الخلق، والشكر"، وقال الشعبي رحمه الله: "عليك بالصدق؛ حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك، واجتنِب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرُّك".
وللمسلم حالات متنوعة في الصدق:
فأولها وأهمها هو الصدق مع الله تعالى بإخلاص العبادة كلها له، فلا نخلطها برياء أو شِرك، وأدائها على الوجه المطلوب.
والثانية الصدق مع الناس في الحديث والمعاملة، فلا يكذب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا أوعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، فهذا الحديث اختصر حالات الكذب مع الناس الذي هو ضد الصدق، وبيَّن أنها من صفات المنافق.
والثالثة: الصدق مع النفس؛ حيث يجب أن يعترف الإنسان بذنوبه وعيوبه والمبادرة إلى التوبة، وتصحيح الأخطاء، حتى نأتي على آثار ذلك على الفرد المسلم بالتزامه الصدق من جلْب الطمأنينة والراحة على نفسه، ونيل محبة الله تعالى ورضوانه، وتيسير الله للصادق سبل الحياة في تسهيل أمور المعيشة وطلب الرزق، وآثار ذلك تلقائيًّا على المجتمع في انتشار المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، حين يكون بينهم الصدق في التعامل في البيع والشراء، والتعاون المترتب عليه زيادة الإنتاج والعطاء داخل المجتمع، والترابط بينهم في مجالات متعددة في الحياة.
ويجب ألا نُغفل الأثر الصحي لمن يلتزم الصدق؛ حيث خلصت دراسة أميركية تناولت عيِّنة من 110 أشخاص تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 70 عامًا، خضعوا إلى اختبار لكشف الكذب، وفحوص طبية ونفسية لتقييم الأكاذيب الصغيرة والكبيرة التي قالوها كل أسبوع خلال ثلاثة أشهر - إلى أن الإنسان الصادق يتمتع بصحة بدنية وعقلية جيدة مقارنةً بالكاذب، وأشارت إلى أن الحد من الكذب والامتناع عنه، يعزِّز صحة الإنسان النفسية، ما ينعكس إيجابًا على جسده، ووجدت أن من استمر في الكذب تراجعت صحته بشكل واضح مقارنةً مع الأشخاص الذين صدقوا في كل الاختبارات.
فبعد كل ما مرَّ بنا من أمور الشرع المطهر والفكر السليم، والدراسة الطبية في فضل الصدق وآثاره الحميدة - أدعو إخواني وأخواتي إلى التزام هذا الخُلق النبيل الذي به تصلُح الشعوب والمجتمعات، وفَّق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى.




الصدق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع