مدونة سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي


إغلاق المساجد بسبب كورونا (رؤية مقاصدية 1)

سيد محمد أحمد عيسى مصطفى أحمذي | Sidi Mohamed Ahmed Issa Moustapha Ahhmedheye


09/10/2020 القراءات: 3411  



• أولا: حكم صلاة الجماعة لئن اختلف العلماء في حكم وجوب الجماعة على الأفراد فإنهم مجمعون على وجوب إقامة الجماعة في المساجد، وعلى عدم جواز التواطئ على ترك الجماعة في أي قرية مستقرة أحرى بلد مسلم فيه قرى كثيرة. • ثانيا: خطر كورونا تقول منظمة الصحة العالمية عن هذا المرض إنه: "من المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس). ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض فيروس كورونا كوفيد-19". وهناك خمس ملاحظات مهمة حول المرض تقدمها نفس المنظمة وهي: 1. أنه: "يصاب بعض الناس بالعدوى دون أن تظهر عليهم أي أعراض ودون أن يشعروا بالمرض. 2. "يتعافى معظم الأشخاص (نحو 80%) من المرض دون الحاجة إلى علاج خاص. 3. "تشتد حدة المرض لدى شخص واحد تقريباً من كل 6 أشخاص يصابون بعدوى كوفيد-19 حيث يعانون من صعوبة التنفس. 4. تزداد احتمالات إصابة المسنين والأشخاص المصابين بمشكلات طبية أساسية مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو داء السكري، بأمراض وخيمة. 5. توفى نحو 2% من الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض". فكون معظم الأشخاص المصابين يتعافون ذاتيا، وكون الإماتة -بإذن الله- لا تتجاوز 2%، وكون شدة الإصابة غالبة في المرضى والمسنين.. كل هذا يستدعي الانتباه عند تعميم الإجراءات. وتبقى النقطة الأخطر هي النقطة الأولى وهي أن بعض حاملي الفيروس قد لا تظهر عليهم الأعراض. وحين نقارن هذا المرض بكثير من الأمراض لا يبقى له مما يميزه غير سرعة الانتشار؛ فليس الأخطر (النزلة البردية السنوية تقتل قرابة 6% ممن تصيبهم) ولا الأقتل، (إيبولا قتل 40% في المتوسط) ولا الأخطر (الإيدز يقتل ببطء). • ثالثا: تعارض مقصدي الدين والنفس وتجاوزا لكل ما سبق فلنتعبر المرض قاتلا، ففيه تعد على النفس، في حين ترك الصلاة في المساجد هدر لآخر شعائر الدين، وقطع لعراه، واستئصال لشأفة ركن من أركان الدين ظل الموحد للمسلمين قرونا كثيرة. وقد راعت الشريعة مقصدي الدين والنفس معا وقدمت الحفاظ على مقصد النفس في حالات (أغلبها فردية) منها: - حين يخاف الإنسان الموت تحل له الميتة. - حين يخاف على نفسه يحل له إظهار كلمة الكفر. - حين يخاف الفرد على نفسه يحل له التخلف عن الجمع والجماعات. لكنها قدمت مقصد الدين على مقصد النفس في حالات منها: - حالة الجهاد فيجب الدفاع عن الدين ولو مات المرء في ذلك. - حالة الحدود فتجب إقامتها على المرء ولو مات فيها (إذا كان صحيحا، أو كان الحد قتلا) - يجوز للإنسان أن يصبر على التعذيب حتى يموت دون تورية (حالات خبيب، وآل ياسر -غير عمار-، وأصحاب الأخدود...) - يجوز للإنسان أن يواصل الصلاة ودماؤه تنزف ولو خاف الهلاك (كما في حديث عباد بن بشر). وعموما فالأدلة الدالة على حفظ النفس في أغلبها تعود للفرد، وهي في مقابل الدين في أغلبها (رخص) جائزة لا واجبة بينما الحفاظ على الدين وشعائره (عزيمة) واجب. وقد تواترت الأمة جيلا بعد جيل على رواية حديث ابن مسعود دون تعقيب عليه ولا رد له "حَافِظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى". [أبو داود]. وفيه: "وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، لَضَلَلْتُمْ"، [مسلم] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، [البخاري] ولم يصح عنه أنه ترك الجماعة مطلقا في سفر ولا حضر. • رابعا: الأخطاء المقاصدية في قرار الإغلاق: بناء على ما تقدم فتعطيل المساجد من الصلاة بشكل تام حمل عدة عيوب: أولا: أنه خلط بين حكم صلاة الفرد في الجماعة (وهو حكم مختلف في وجوبه وسنيته) وبين أداء الجماعات، وهو فرض على الكفاية، ولا يجوز إسقاطه وتعطيله. ثانيا: أنه خالف الإجماع العملي للمسلمين، فلم ينقل ناقل ولا ادعى مدع أنهم عطلوا المساجد بسبب الطواعين الفتاكة التي أصابتهم في عصور مختلفة منها عصر الصحابة والخلافة الراشدة. ثالثا: أنه لم يراع المآل، فحين تعطل الجماعات لمرض كهذا يقتضي القياس الجلي أن تعطل لما هو أشنع منه وأكثر إماتة، ومعروفة أمراض كثيرة تميت أكثر مما يميت "كورونا". رابعا: أخل هذا التعطيل بقاعدتي التدرج، ومراعاة الإمكان؛ فحين عطل المساجد كلها في بلدٍ الإصاباتُ فيه بالآحاد لم يراع التدرج، بل كان عليه -إن كان ولابد-: • أن يبدأ بنقص عدد المصلين حتى يصل إلى حيث يمكن الأمن من عدوى المرض، ومثال ذلك أن يبدأ ب: - تنظيم المسافة بين المصلين في حدود ما لا ينقل العدوى. فإذا لم يُجْدِ ذلك انتقل إلى: - تقليص عدد المصلين في كل مسجد حتى يصل العدد إلى فرد واحد في كل صف. فإذا لم يُجْدِ ذلك ينتقل إلى: - أقل ما يصدق عليه اسم جماعة وهو إمام ومؤذن ومأموم، وليتفرقوا في المسجد أعلى ما يكون التفرق. فهذا من مراعاة الإمكان الداخل في الطاقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [البخاري] وهذا ممكن عقلا، ومانع من الوقوع في صريح التعطيل شرعا. وإن كان الأولى منه الصلاة في الجماعة مع مراعاة الاحتياط. إلا شخصا خاف على نفسه فجلس في بيته فله ذاك ما لم تعطل المساجد.


إغلاق، المساجد، كورونا، المقاصد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع