مدونة يوسف أحمد محمد


النفسية العقدية .... والتقاليد التراكمية.. وأثرها على الفرد والمجتمع (1)

د.يوسف أحمد محمد | Yusuf Ahmed


20/03/2021 القراءات: 465  


النفسية العقدية .... والتقاليد التراكمية.. وأثرها على الفرد والمجتمع

‏ معرفة نفسية القبائل

يخطأ كثير من الساسة الصوماليين وجماهير مخلصين عندما يبنون الأمور بعفوية وسذاجة، ‏وبحسن ِنيَّةٍ وغِرَّةٍ بعيدةٍ عن حقائقَ نفسيَّةٍ للقبائل الصومالية، فعند إرادتنا علاج الظاهرة ‏الصومالية المعضلة علينا ألا تنسى دراسة نفسيات القبائل الصومالية وميولاتهم المتجذرة في ‏نفوسهم و عاداتهم وتقاليدهم المستحكمة فيهم، وطرق تفكيرهم التي هي انعكاسات على هذه ‏النفسيات، وكل قبيلة عندها تراكمات نفسية توارثتها عن أجيال، وجينات ميولية ونزوعية ‏تشكلت عبر التأريخ، والجهل عن هذه الحقيقة أو تجاهلها يترتب عليها أخطاء لا تحمد ‏عاقبتها؛ لأننا لو تعاملنا مع هذه الفئة بسذاجة، وسلمنا لهم جميع ملفاتنا بمجرد حماسة وحسن ‏نية؛ ثم طَفَت وظهرت سجية هذه الفئة ونفسيتها، وانقادت لغريزتها المغروزة فيها، أو استدعت ‏نفسياتها المتأصلة فيها من حب الرئاسة، وحب الانفراد بالمحبوب، واعتقاد الأحقية، واستدعاء ‏تخيلات وتصرفات أجداد مضوا؛ للنسج على منوالهم، أو محاولة محاكاتهم، يترك هذا النزوع ردة ‏فعلية عكسية للساذجين الذين أخطأوا في بداية الأمر، وانطلقوا من حسن نية، مما يترك واقعا ‏كارثيا، وكسرا بالغا يصعب جبره، كما يقول الصوماليون: يا رجل: إن خدعتني أول مرة فأنت ‏الخادع، وإن خدعتني مرة ثانية فأنا البليد" لأن الردة الفعل للمرة الثانية تكون مصيبة كبيرة، قد ‏تنشأ عنها حروب مدمرة، وهدم حضارة عريقة، وتقديم مصلحة فئوية على جميع مصالح ‏المجتمع.. وهذا الخطأ أو الانحراف بدأ عند نقطة عدم معرفة نفسيات القبائل وبالتالي حصل ‏التعامل معها بعفوية، ولكن لوكان عندنا تصور حقيقي لنفسية من نتعامل معه، ثم ندخل معه ‏عقدة الشراكة بالمصالح ونحن اتخذنا جميع التدابير، وعزلنا أثر هذه النفسية، وفرضنا أقصى ما ‏يكمن من الضرر ثم جهزنا له ما يضاده من الحيل والنظم، فإننا نتعامل بمبدأ لا خلابة ولا ‏خداعة، "الحلال ما توكل في رابعة النهار" كما يقوله الصوماليون، فعندئذ تكون عندنا ‏ضمانات حقيقية لا خيالية، وتوازنات لا يكمن التجاوز عنها، مهما كانت المبرات المفتعلة عند ‏الساسة غالبا. ‏

فليس من العيب التعامل مع الواقع، وإدارة ما هو موجود وحاصل؛ لكن الشطط هو القفز عن ‏الواقع والاستسلام لتخيلات لذيذة مخادعة، لا رصيد لها في الواقع.‏

قد ينخدع المرؤ ببعض مظاهر مرحلية تطرأ على بعض القبائل في ظرف معين فيظن أنها تغيرت ‏أو تحولت جذريا. والحقيقة ما هي إلا سحاب صيف بعد ساعات تنقشع، وظروف طارئة ‏تزول؛ لكن الغلبة والعاقبة ستكون للسجية المتأصلة في النفس الكامنة في نسيج التصور، لقد ‏ظن بعض الناس أن نخوة الأتراك قد ذابت، وأن شخصيتهم الاستعلائية قد اضمحلت بعد ‏هزيمتهم في حروب متلاحقة وفرض الأوروبيين عليهم بشروطهم القاسية، حتى ظن كثير أن هذه ‏النفسية الأبية التي توارثها أجدادهم ذهبت مع أدراج الرياح بلا رجعة، ونرى اليوم بأن هذا ‏الظن قد تلاشى وأن نفسية الأمم قد تخبو حدتها فترة ولكن لا تضمحل وترجع حليمة إلى ‏عادتها القديمة، طال الزمان أو قصر. وفي نفس هذه السنن تجرى على عادة القبائل والقوميات، ‏لا تغير طبائعهم المتأصلة فيهم البيئة والحضارة، فالصوماليون الذين سكنوا في أرجاء المعمورة ‏وجاوروا أمما أخرى لهم طبائعهم الخاصة لم ينقلبوا رأسا على عقب بل حافظوا أدنى حد من ‏نفسياتهم الموروثة، وتصوراتهم الخاصة، والإيرلنديون الذين سكنوا في أمريكا وحكموها مازالوا ‏يحتفظون نفسياتهم جيلا بعد جيل.‏

‏ وقراءة الحقائق التاريخية لهذه الأمة - بدأ من عهد الذي بدأ خط الانحراف عن عقدة شراكة ‏للمصالح المشتركة وانفراط عقدها، وانفراد طائفة بها، وصولا إلى رؤساء الصوماليين الكارثيين – ‏يفرض علينا إعادة النظر في الطرق التعامل بعقدة الشراكة، وإقامة حضارة مشتركة المصالح ‏لجميع المجتمع.‏
وإذا كان الصوماليون متفقون لغة ودينا وعرقا إلا أن المعضلة الكبرى تكون في الصراع على ‏تقاسم المنفعة المشتركة بينهم وعدم وصول حتى الآن بطريقة عملية يديرون هذه المنفعة بالعدل ‏والقسط عليهم؛ وهذا أمر جبلي عند ابن آدم، فالحرص سجيته، والعدوان دأبه، والأنانية دينه؛ ‏فيجب أن تجد هذه الجبلة مقاوما يحدُّ سَورتها، ويوقفها عند حدها. ‏


النفسية العقدية .... والتقاليد التراكمية.. وأثرها على الفرد والمجتمع(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع