مدونة الدكتور/ مازن جهاد إسماعيل الشوبكى


"كيف بدأت حرب الإبادة علي قطاع غزة: التعليم والصحة في مرمى النار

الدكتور/ مازن جهاد إسماعيل الشوبكى | Mazen J. Al Shobaki


28/08/2024 القراءات: 168  


تعدُّ الإبادة الجماعية من أبشع الجرائم الإنسانية التي شهدها التاريخ، وتتنوع أساليبها بين العنف المباشر والقتل الجماعي، وبين الأساليب غير المباشرة التي تستهدف تدمير البنية التحتية الأساسية للمجتمعات، ومن بين أهم تلك الأساليب التي تتبعها القوى الغاشمة لضرب الشعوب وإضعافها، يأتي تدمير قطاعي التعليم والصحة في مقدمة الوسائل الممنهجة لشن حرب الإبادة على الشعوب، كما يحدث حالياً في قطاع غزة.
تدمير التعليم: مفتاح لتدمير المستقبل
التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات وتطورها، فهو الذي يساهم في تشكيل الوعي والفكر لدى الأجيال القادمة، فحينما يتم استهداف المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومراكز تعليمية، فإن ذلك لا يعني فقط تدمير المباني، بل يمتد لتدمير حلم كل طفل وشاب في مستقبل أفضل، وقد رأينا في قطاع غزة، كيف تُقصف المدارس ويُستهدف الطلاب والطالبات، وكيف تُهدم الجامعات والمكتبات، حيث إن هذا التدمير المنهجي للبنية التحتية التعليمية يهدف إلى خلق جيل محاصر بالجهل، فاقد للأمل، ويشعر بالعجز عن تغيير واقعه المرير.
عندما تُغلق أبواب المدارس بسبب القصف أو بسبب نقص الموارد والمعدات، يُترك الأطفال بلا خيار سوى البقاء في منازلهم أو في مراكز الايواء التي قد تكون أيضًا مهددة بالقصف أو التدمير، حيث انه في غياب التعليم، يصبح الأطفال والشباب عرضة للاستغلال وللانخراط في دوامة العنف، مما يعزز من دوائر الفقر والجهل ويزيد من صعوبة الخروج من تلك الحالة المزرية.
الصحة: خط الدفاع الأول والأخير
إذا كان التعليم هو الأمل في المستقبل، فإن الصحة هي أساس الحياة الكريمة في الحاضر، فاستهداف قطاع الصحة هو استراتيجية أخرى لضمان عدم بقاء أي أمل في الحياة الطبيعية لأي شعب مستهدف، وكما نر فان المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة تعاني من نقص حاد في الموارد الطبية الأساسية، بالإضافة إلى نقص الأدوية والعلاجات بسبب الحصار، في الوقت الذ تُقصف فيه المستشفيات والمراكز الصحية بلا رحمة، حتى سيارات الإسعاف والأطقم الطبية لا تسلم من الاعتداءات.
إن تدمير النظام الصحي لا يهدف فقط إلى قتل المصابين والمرضى بشكل مباشر، بل يتعدى ذلك إلى إحداث حالة من الذعر والخوف، حيث يفقد المواطنون الثقة في قدرة النظام الصحي على تلبية احتياجاتهم الأساسية، كما أن نقص الخدمات الصحية يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال وكبار السن والمرضى، ويزيد من تفشي الأمراض المعدية والمزمنة التي كان من الممكن معالجتها في ظل نظام صحي متكامل.
التدمير المتعمد: الإبادة بوجه جديد
إن استهداف التعليم والصحة ليس مجرد ضرر جانبي للنزاع، بل هو استراتيجية مدروسة ومتعمدة لضمان تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي والصحي لأي شعب يراد إبادته، وهذه السياسة الممنهجة تُظهر بوضوح أن الإبادة لا تكون فقط عبر الأسلحة والقنابل، بل يمكن أن تكون أيضًا عبر قصف الأمل والعلم والصحة، بهدف خلق مجتمع منهك وغير قادر على الوقوف من جديد.
وختاماً فهذه دعوة للوعي والتحرك، حيث إن حرب الإبادة على غزة بتدمير قطاعي التعليم والصحة ليست مجرد جرائم فردية، بل هي جرائم ضد الإنسانية تتطلب وقفة جماعية من المجتمع الدولي، تتطلب منّا أن نكون واعين للأبعاد الحقيقية لهذه الجرائم وأن نطالب بمحاسبة مرتكبيها، وأن نعمل جميعاً من أجل حماية حقوق الإنسان وكرامته أينما كان.
عندما نتحدث عن استهداف التعليم والصحة، فإننا لا نتحدث فقط عن أرقام وحقائق، بل عن حياة أناس وحقهم في الأمل والمستقبل. يجب علينا جميعًا أن نقف ضد هذا النوع من الإبادة، وأن نرفع صوتنا عاليًا للمطالبة بالعدالة والسلام.


التعليم،، الصحة، حرب الإبادة، قطاع غزة،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع