مدونة الدكتور محمود السماسيري


الخطابات الإسلامية المعاصرة: قراءة أولية للعلل وسبل التجاوز (2)

الدكتور محمود السماسيري | mahmoud yousef al-samasiry


12/10/2020 القراءات: 484  


دلالة واقع الأمة على اختلال خطابها الفكري
المتأمل في الوضعية التي تعيشها أمتنا.. أمة الإسلام يجدها - ومنذ أمد بعيد -وضعية مفجعة... تحمل هوانا واستكانة بين العالمين، يقرر أمورها أعداؤها ناهيك عن تمزقها إلي دول أو- بالأحرى- أمم متغايرة، وأحيانا متناحرة، استنادا إلي علل مذهبية أو طائفية أو سياسية أو اقتصاديه أو جغرافية، بل نجد بعض أبناء الدولة الواحدة وجماعاتها تمارس العنف والإرهاب ضد الجماعات الأخرى على نحو يبلغ بهم ما تقر به أعين أعدائهم .
ولا مراء أن كل ذلك أمور تجعل الحليم من أمتنا حيران.. فكيف لأمة الشهادة- خير أمة أخرجت للناس- أن يصيبها كل هذا الوهن الذي يجعلها تكاد تكون مستباحة من كل الناس؟، وكيف لأمة التوحيد، والتي أكد قرآنها مرارا وتكرار أنها أمة واحدة تتمزق إلى أمم عدة؟ وكيف أن كل أمة منها أو دولة تتشظى- بدورها- إلى فرق وفصائل عدة على نحو جعل انصياع أمة التوحيد لأمر ربها لها أن تكون أمة واحدة أملا بعيد المنال؟
وهكذا ثمة فجوة هائلة بين ما كان عليه حال أمتنا - حين أنارت الدنيا وهيمنت على يد الصحابة والتابعين، وفي سنوات قليلة على أكبر إمبراطوريتين في عصرهم - وحالها الآن. وإذا كان حجم هذه الفجوة أمرا لا تكاد تخطئه عين، فإن الإشكالية الحقيقة تكمن في محاولة فهم علل هذه الفجوة، أو بمعنى آخر فهم الوضعية التي جعلت أمتنا تكاد تحتل موقع المؤخرة بين أمم الدنيا.
ويتطلب فهم هذه الفجوة طرح عدد من التساؤلات الحتمية التي تفرضها وضعية الأمة أمامنا،ثم تقديم الإجابات التي تعد أيضا حتمية على هذه التساؤلات ثم استعراض التفسيرات التي تُقدم من قبل خطابات التيارات الفكرية القائمة لوضعية الأمة، ومدى سلامة هذه التفسيرات.
أولا- التساؤلات الحتمية التي تطرحها وضعية الأمة:
الواقع أن التصدي لفهم علل هذه الفجوة يتطلب طرح عدد من التساؤلات .. ثم السعي إلي الإجابة عليها . تبدأ هذه التساؤلات بثلاثة تساؤلات كبري ألا وهي:
التساؤل الأول: أنّى لهذه الوضعية أن تهيمن على أمتنا على الرغم من أنها أمة القرآن الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.. القرآن الذي وصفها الله فيه بأنها { خَيْرَ أمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}( )، وكلفها أن تقوم بالشهادة عليهم{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} ( ) وهو ما لن يتسنى لها أن تقوم به على الوجه الأمثل إلا إذا احتلت موقع الصدارة بين أمم الدنيا؟
بالطبع لا يمكن لمسلم عاقل أن يماري أن ثمة خللا ما يقف وراء هذه الوضعية… كما لا يمكن له أن يماري في براءة الدين من ذلك الخلل... و أنّى له أن يماري في دين قاد أتباعه من الصحابة و التابعين – وهم حينئذ قله في العدد والامكانيات – إلى إنارة معظم أرجاء الدنيا في سنوات قليلة؟!
غير أن عدم المماراة في هذه الحقيقة يفرض علينا طرح ثاني تلك التساؤلات ألا وهو:إذا كان الإسلام قاد أتباعه في سنوات قليله لتحقيق كل ذلك.. لمَ لا يقود أمتنا في عصرنا هذا إلى المكانة التي احتلتها سلفا.. رغم سلامته كدين ورغم كثرة عدد أتباعه الذي يناهز ربع البشرية، وضخامة مواردهم الطبيعية التي تمتد على مساحة تقارب ربع مساحة الدنيا ؟ ألا يدلل ذلك على أن ثمة خللا لا يمكن إنكاره .. خلل يفرض علينا تساؤلا ثالثا - وهو تساؤل حتمي – هو أين يكمن موضع ذلك الخلل؟


واقع الأمة - الخلل الفكري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع