مدونة صالح بن ناصر بن علي الخروصي


"البيعتان في بيعة" صوره وضوابطه (1): اشتراط عقد في عقد

د. صالح بن ناصر بن علي الخروصي | Saleh Nasser Ali Al Kharusi


20/10/2021 القراءات: 3019  


جاء من طريق أبي هريرة قال:" نهى رسولُ اللهِ ﷺ عن بيعتينِ في بَيعةٍ" [الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم]، وبعد اتفاق العلماء على هذا النهي اختلفوا في معناه والأوجه التي تحتمله، وأول وجه أقف عليه هنا هو: اشتراط عقد في عقد.
البيعتان في بيعة (1): اشتراط عقد في عقد
البيعتان في بيعة بالشرط يكون بأن يشترط شخص على آخر إبرام عقد بيع مع عقد بيع آخر، وبحرمته قال الإباضية والحنفية المالكية والشافعية والحنابلة، وقد نص غير واحد من العلماء على بطلان العقد، غير أنهم اختلفوا بعد ذلك في صوره، والعلة التي من أجلها حرم ذلك، كما فصلوا في أنواع العقود الملحقة به.
أولا: صور اشترط عقد في عقد
1) عقد بيع مقابل لعقد بيع، وبهذا قال الإباضية والحنفية والشافعية والحنابلة، كأن يقول الرجل للآخر:" بعتك داري هذه بألف على أن تبيعني عبدك هذا بألف"، بحيث يبيع كل واحد من الطرفين ما عنده للآخر.
2) عقد بيع مضموم لعقد بيع، نص عليه الحنابلة، كقول شخص لآخر:" بعتك داري هذه على أن أبيعك داري الأخرى"، بحيث بشتري طرف من الآخر سلعتين بموجب العقدين اللذين ضُمَّا معا ليكون كعقد واحد.
3) عقد بيع بعد عقد بيع، وهو قول المالكية، بأن يقول الرجل لآخر:" اشتر لي السلعة الفلانية بنقد، حتى أبتاعها منك إلى أجل".
4) عقد بيع بعده عقد صرف، وعليه الحنفية والشافعية والحنابلة، كأن يقول شخص:" بعتك بكذا دينار على أن آخذ منك الدينار دراهم"، فأخذ الدراهم بدل الدنانير صرف، والصرف بيع، فكان بيعتين في بيعة.
ثانيا: علة النهي
أورد العلماء لتحريمه عللا عديدة، أما الشافعية والحنابلة فعللوه بالنهي عن بيع شرط، وجهالة الثمن، وعدم استقرار العقد لإمكان فوات الشرط، وقياسا على نكاح الشغار، بينما علل الحنفية والمالكية بجريان الربا فيه.
ثالثا: العقود الملحقة باشتراط عقد في عقد
رغم نص الحديث على لفظ البيع، غير أن العلماء حين تلمسوا العلة خلصوا إلى التوسع في معناه ليشمل الحكم كل العقود المالية، سواء كانت عقود معاوضات أو تبرعات أو توثيقات، وسواء اتحدت أجناس العقود المشروطة أو اختلفت، فما اتفقت أجناسها كقوله:" قد أجرتك داري هذه على أن تؤجرني عبدك هذا"، أو قوله:" وهبتك هذه بشرط أن تهب فلانا شيئا"، أو قوله:" كفلتك على أن تكفل لي دينا علي لفلان". وأما ما اختلفت أجناسها فقوله:" بعتك داري على أن تؤجرني دارك"، أو "بعتك داري على أن تزوجني أختك"، أو "على أن تهبني هبة"، أو "تكفل لي دينا".
رابعا: ضوابط اشتراط عقد في عقد
والذي بدا لي هو أن ضابط اشتراط عقد في عقد:" حرمة اشتراط أي عقد في عقد آخر إلا ما نص الدليل على جوازه"، وذلك من خلال ما جاء من نصوص للعلماء في البيعتين في بيعة، ولعل أبرزهم تقعيدا لذلك هم الشافعية، إذ نصوا على أن حكم البيعتين في بيعة باشتراط العقود في بعضها يجري كل عقد شُرِط فيه عقد آخر، سواء اتحدت العقود في جنسها أو اختلفت، ثم استثنوا من ذلك ما استثنته النصوص، كاشتراط عقد الرهن في عقد آخر توثيقا له للنص عليه:" فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةٌ" [البقرة:383]، ثم قصروا الجواز على هذا المحل، فمنعوا أن يشترط في عقد البيع رهن دين عقد آخر؛ كونه لا يوجبه العقد وليس من مصالحه. كما أن هذا الأمر يفهم أيضا من فروع الحنابلة، فنجدهم يجرون حكم البيعتين في بيعة في كل العقود المالية، سواء كانت معاوضات أو تبرعات أو توثيقات، وسواء اتحدت العقود في جنسها أو اختلفت، وقريب منهم صنيع الحنفية.


بيعتان في بيعة - الشرط - ضوابط


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع