المخزون العقلي وشاعرية العيد (تقاطبات ثنائية )
د. محمد فضل أحمد عيسى | DR .Mohamed FADL Ahmed Isaa
6/16/2024 القراءات: 770
المخزون العقلي وشاعرية العيد (تقاطبات ثنائية)
تبوح الذاكرة الشاعرية مستعرضة شريطا ذا ألوان من ذكريات الماضي وخاصة عند دخول العيد ولقد اعتنى أدباء العرب بذكر المناسبات الدينية بإنتاج غزير؛ إذ تنوعت إنتاجاتهم الأدبية؛ لتحظى كل مناسبة دينية واجتماعية بمساحتها الخاصة من ذاكرة الأدب والثقافة العربية، لا سيما الأعياد.
فيطل العيد مبتسما تارة، ويطل حزينا تارة أخرى، وخاصة للمغتربين والنازحين؛ فنجد التباين، كمناسبة للتنفيس عن مكنونات النفس، والتعبير عن المشاعر، ويعدّ شاعر العربية المتنبي، أفضل من تحدث عن العيد وبث فيه الفرح والترح بتقاطبات ثنائية ، يقول:
عيدٌ بأية حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّة فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
ثم تقلب بين مشاعر الشوق والحنين لأهله ، قائلا:
يُضَاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبِيْبَهُ .. حِذَائي وأَبْكِي مَنْ أحِبُّ وأَنْدُبُ
أَحِنُّ إِلى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاَءهُمْ.. وَأَيْنَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ؟
واحتفظت الذاكرة الشعرية العربية بأبيات للمعتمد بن عباد، حاكم قرطبة، قالها يوم العيد وهو في سجن «أغامات» في المغرب يقول الحاكم الشاعر:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدة
فساءك العيد في أغمات مأسورا
استمرارًا لمشاعر الحزن كتب أبي الفرج بن سلامة عن فراق أحبابه بالعيد:
من سره العيد فما سرني .. بل زاد في همي وأشجاني
لأنه فكرني ما مضى .. من عهد أحبابي وإخواني
ومن العصر الحديث جاءت أبيات للشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي تحكي قصة شعرية مليئة بصور تحكي معاناة ومآسي الأيتام، في العيد:يقول
خرجت بعيد النحر صبحا فلاح لي
مسارح للأضداد فيهن مرتع
خرجت وقرص الشمس قد ذر شارقا
ترى النور سيالا به يتدفع
بحيث تسير الناس كل لوجهة
فهذا على رسل وذلك مسرع
وبعض له أنف أشم من الغنى
وبعض له أنف من الفقر أجدع
وقفت أجيل الطرف فيهم فراعني
هناك صبي بينهم مترعرع
عليه دريس يعصر اليتم ردنه
فيقطر فقر من حواشيه مدقع
يليح بوجه للكآبة فوقه
غبار به هبت من اليتم زعزع
كأن هدير الطبل يقرع سمعه
فلم يلف رجعا للجواب فيرجع
ومن العصر الحديث أيضاً يطل شاعر السعودية: حمد الحجي، حل العيد على الشاعر مغتربا، فأطلق أنات من روحه الحالمة بشوق اللقاء. يقول:
يا عيد وافيت والأشجان مرخية
سدولها ونعيم الروح مفقود
لا الأهل عندي ولا الأحباب جيرتهم
حولي فقلبي رهين الشوق مفؤود
تجري دموعي في محاجرها على
وسادي لها صبع وتسهيد
أمسي وأصبح والأحزان تحدق بي
لا الروض يجدي ولا القيثار والعود
وخلاصة القول: لم يترك الأدباء قديما وحديثا حدثًا تاريخيًا أو وطنيًا أو إنسانيًا إلا وقد ذكروا فيه مناسبة العيد التي أصبحت رمزًا عاطفيًا في الأحاديث الاجتماعية وتعبيرًا عن النفس وما يجول في داخلها من خواطر بتقاطبات ثنائية بين أفراح وأتراح.
العيد الإرث الثقافي المخزون الجمعي المناسبات الذاكرة الشعرية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع