مدونة .. أ. د. خالد عبد القادر منصور التومي
الكلمة الطيبة .. سياسة المُتكلم و دبلوماسية المعنى و رسول المضمون (الجزء الثاني)
أ.د. خالد عبد القادر منصور التومي | Prof. Dr. Khaled A. Mansur Tumi
10/05/2019 القراءات: 4970
السلام عليكم و رحمة الله ،،،
الكلمة الطيبة .. سياسة المُتكلم و دبلوماسية المعنى و رسول المضمون ،،،
أخوتي الأعزاء ،،
أسعد الله يومكم بكل خير ،
إلا أننا في كثير من الأحيان نستخف بقيمة الكلمة، و مع أهمية العمل بها؛ إلا أن لكل منهما مجاله الذي لا يصلح فيه غيره، و في تاريخنا الإسلامي أمثلة كثيرة جداً غيَّرت فيها الكلمة مسار شخص أو مدينة؛ بل قارةً بأسرها، و قد تُغني الكلمة الواحدة غناء جيش أو جيوش بأكملها؛ و قد أدركت الشركات و المؤسسات التجارية قيمة الكلمة في التأثير على المُشتري و دفعه إلى شراء ما لا يحتاج له .. حيث قال أحدهم .. لو كان لى عشرة دولارات لتاجرت بدولار واحد و صنعتُ دعاية بالتسعة الباقية، و إذا أردت أن تشل فاعلية شخص ما .. فيكفي أن تقنعه بأن عمله غير ذي فائدة، و الآية التي نحن بصددها زاخرة بالمعاني و الصور التي تجعل الكلمة في أرقى حال .. جمالاً و كمالاً و نفعاً؛ فقد شبه الله العزيز الحكيم .. الكلمة الطيبة .. بالشجرة طيبة، و هذه الشجرة الطيبة تتصف بثلاث صفات أساسية .. ثبات أصلها و عُمق جذورها و ذهاب فروعها و أفنانها في السماء؛ ثم نفعها الدائم للخلق باستمرار أُكلها و ثمارها؛ فالكلمة الطيبة إرث موروث متصل بالأنبياء .. عليهم الصلاة و السلام .. و لكن المشكلة أن التفريق بين الأصول و الفروع قد لا يتهيأ لكل الناس مما يجعل الخلط بينهما وارداً، و حينئذ فقد يجمد ما ينبغي أن يتطور و قد يتطور ما ينبغي أن يثبت.
و فيما يلي بعض الخصائص الكامنة في صفات الكلمة الطيبة:
1. أثر الكلمة الطيبة ..
إنّ صاحب الكلمة الليّنة الطيّبة يجمع حوله الكثير من الأخوة و الأصدقاء و الأحباب، و يرغب في قربه كافة الناس .. كونه مصدراً للخير و التفاؤل، و بعيداً كل البعد عن البغض و المشاكل و الخلافات؛ حيث تُساعد هذه الكلمة على الإقناع، و تزيد من تقبل الآخرين لأيّ أمر، و تُعزز من الألفة و تقلّل من الجدال، و أيضاً تعكس صورة رائعة عن الشخص؛ مفادها خُلقه و دينه و بلده، و تنشر مشاعر الألفة بين القلوب الغريبة، و تبعث طمأنينة في قلوب الأشخاص الّذين نراهم لأوّل مرة و يشعرون بغربة اتجاهنا، و من فعل سحرها أن تحوّل العدو إلى صديق، و الخصام إلى صلح، و الحرب إلى سلم، و الحزن إلى فرح، و الكآبة إلى بهجة، و تُثمر ثواباً و أجراً للأشخاص لا ينساه الله، و يجزيهم به كل خير، و تندرج تحت خانة الأعمال الصالحة؛ كما يمكن بهذا النوع من الكلمات نشر الخير بكل سلام، و تقديم النّصيحة بدون أذى و جرح في المشاعر .. لأنّ الكلمة الطيّبة يُرد عليها بكلمة طيبة مثلها في الوضع الطبيعي، ممّا ينشر الود و الاحترام بين كافة أفراد المجتمع، و ينتقل هذا النوع من أدب الحديث بين الناس، و ينتج عنه مجتمعات حضاريّة راقية خالية من المشاحنات و التعصب و الجهويّة.
2. مرونة الأساليب و تنوعها ..
فإنه على مقدار ما تكون جذور الكلمة الطيبة و أصولها راسخة ثابتة تكون أساليبها مرنة نامية منوعة، و هذا في حد ذاته أحد مقتضيات ثبات الأصول؛ فأحوال البشر و أفهامهم مختلفة، و لذلك تعدد الأنبياء .. عليهم الصلاة و السلام .. و تنوعت شرائعهم، و صدق الله العظيم إذ يقول .. ومَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .. إبراهيم 14 ..، فها هو رسولنا الكريم .. عليه الصلاة و السلام .. يكلم الناس بلغتهم التي يتكلمون بها على أوسع ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، و الهدف هو .. أن يبين لهم ما يدعو إليه، و قد أخذ الأسلوب القرآني من العرب كل مأخذٍ؛ بل و تحداهم و طاولهم في التحدي، و أقام عليهم الحُجج الدامغة التي تناسب أوضاعهم الفكرية آنذاك .. و اللغة في أبسط تعاريفها هي .. مجموعة الإمكانات التعبيرية في بيئة من البيئات، و هذه الإمكانات التعبيرية تتسع باتساع حضارة اللاغين بها، و اتساع غنى الخلفيات الثقافية لديهم، و هذه الإمكانات دائمة التغيير و التشكل تمر بعين الأطوار التي يمر بها الكائن الحي من الولادة إلى الموت، و ما بينهما من مراحل .. حيث أن لغتنا الفصحى تنمو ضمن أُطر صارمة .. فالفاعل لن ينمو ليصبح مجروراً، و المضاف إليه لن ينمو ليكون مرفوعاً، و لكن بين تلك الأطر مساحات واسعة شاسعة تتحرك فيها اللغة على مستوى التراكيب و الدلالات و الأصوات، و تلك الحركة تُساير و تُناغم شلالات الثقافة في الأمة في تنوعها و درجة علمها.
3. لغة العصر ..
إن من سمات حركة التاريخ أن دور العبادة تظل كهوفاً لنوعٍ أو لأنواعٍ من العلم مهما ساءت أحوال الأمة الثقافية، و على امتداد تاريخنا الإسلامي كان علماء الشرع الذين يألف منهم الكتاب و الباحثين و المفكرين؛ مما جعل اللغة التي يتكلم بها الصفوة من الناس هي عين اللغة التي يتحدث بها الدعاة؛ لأنهم هم الذين شكلوها، و على ألسنتهم تطورت و نمت .. و لكن الزمان قد اختلف .. حيث إن اللغة التي يتكلم بها النخبة اليوم تكونت من جهد ثقافي متنوع؛ فأجهزة الإعلام و الجرائد و المجلات و القصص و الروايات و الكتب التي صنفها باحثون تنوعت ثقافاتهم مضامين و أساليب، و بفعل وسائل الاتصالات الحديثة صار العالم بمثابة قرية صغيرة تكثفت فيها الآراء و الاتجاهات و الثقافات .. و كان في هذا تحدٍ عظيم لكل من يريد مخاطبة الناس و التأثير فيهم؛ إذ أن الخلفية الثقافية للمخاطبين صارت أكثر تعقيداً بسبب ثراء الساحة الثقافية و تنوعها؛ مما أسفر عن وجود حواجز كثيرة على الكلمة أن تتجاوزها قبل الاستقرار في الذهن أو العاطفة؛ كما صار التزام الدقة في أداء الكلمة شرطاً أساسيا للحيلولة دون أن يُساء فهمها؛ كما صار اختيار العبارات المناسبة للحقيقة التي يُراد إيصالها للمخاطب أمراً ضرورياً جداً.
يتبع ،،،
الكلمة الطيبة، سياسة المتكلم، دبلوماسية المعنى.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة