مدونة د. محمد ناجي عطية


معضلة صعوبة الاعتراف بالإنجازات وضعف تحفيز الآخرين! (2 /3 )

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


07/10/2021 القراءات: 2122  


معضلة صعوبة الاعتراف بالإنجازات وضعف تحفيز الآخرين! (2 /3 )

في الحلقة السابقة قررنا قاعدة التعامل الرشيد مع إنجازات الآخرين ومبادئها الثلاثة المتمثلة بالاعتراف أولا، وفصل حجم الإنجاز عن الاعتراف به، ثم الإشادة بالإنجاز صغيرا كان أم كبير ، واستعرضنا الآثار المترتبة على ذلك إيجابا أو سلبا. وفي هذه الحلقة نستعرض بعض الضوابط المهمة المؤثرة في تحفيز المتربي لتقديم المزيد من الابداعات والإنجازات المثمرة.

ضوابط مهمة /

في هذه السطور نضع بين أيديكم بعض الضوابط التي باستيعابها ربما يقل منسوب التقصير في التربية لدينا والتي هي من صلب مسؤولية المربين على مختلف مستوياتهم وأنواعهم.

الضابط الأول: انجازاتهم كبيرة من وجهة نظرهم فتفاعل معها بإيجابية:

من المعضلات التربوية أن ننظر الى أهمية الإنجازات التي يقدمها المتربون بمقارنتها بمستوانا نحن، وليس بمستواهم (هم)، وهذا خلل تربوي فادح يقع به الكثيرون، فيدفعهم الى احتقارها والتقليل من شأنها، وربما يحلو للبعض التمتع بكثرة انتقادها وإظهار عوارها.

وفي حقيقة الأمر، قد تكون تلك الإنجازات فعلا تافهة وعديمة الفائدة، بل ومضحكة أحيانا من وجهة نظرك كمربي كبير، لكنهم يعتبرون أن إنجازاتهم ذات أهمية كبيرة، ويشعرون بأنهم قد بذلوا جهودا لا يستهان بها، وحققوا أشياء يعتقدون أنها تستحق الإشادة والتقدير، وبنفس الوقت يهمهم رأيك وتشجيعك كثيرا.

الضابط الثاني: احذر أن تقع في مصيدة الاحتقار:

فمن منطلق مسؤوليتك والأمانة التربوية الملقاة على عاتقك، الحذر الشديد من الوقوع في مصيدة الاحتقار وعدم الاعتراف وانعدام التشجيع لإنجازات المتربي مهما كانت صغيرة. وهذه تعني أنك أضفت الى مشكلة عدم الاعتراف بالإنجازات بعدا سلبيا آخر وهو احتقار جهودهم وانجازاتهم، وهذا يوصل رسالة واضحة اليهم أنك لا تهتم بمشاعرهم ولا تعنيك فرحتهم بتلك الإنجازات (مهما كانت)، وهو ما يصيبهم بالإحباط وخيبة الأمل.

ومن البديهي، أن نعترف أن نوايانا قد تكون طيبة الى حد كبير ، لكننا قد نقع في هذه المصيدة بقصد أو بغير قصد، ومع الأسف فإن النتيجة تكون واحدة، والسبب في ذلك أن المتربي يحكم على ظاهر أقوالنا وأفعالنا، ومن الصعوبة بمكان أن يعلم حقيقة ما نضمره في أعماقنا من نوايا طيبة، وتزداد الصعوبة كلما صغر سن الأشخاص الذين نربيهم ، والكثير منهم -بداهة - يعمل بالأصل وهو الحكم على الظاهر ، ولهم الحجة البالغة علينا، مالم نظهر نوايانا الحسنة بين الفينة والأخرى طالما نحن واقعون في هذه المصيدة.

الضابط الثالث: لا تزيد الطين بِلَّة:

كثير من الناس، مع كل أسف لا يحسنون في التربية ألا أسلوبا (واحدا) ويتقنونه كثيرا، وهو كثرة النقد والاعتراض مصحوبا بالاحتقار، يريدون بذلك الإثبات للضحية وإيصال رسائل الى أعماقه أنه فاشل ولا ينفع لشيء، فتجدهم دائما مسكونون بالتفتيش عن الأخطاء في عمل الضحية، واثبات وقائع جديدة توصل رسائل أكثر تؤكد فشله وعدم صلاحه لشيء.

وبعيدا عن نوايا هؤلاء الطيبة وطبيعة فهمهم لمعنى التربية، فهم يمارسون هذه الأساليب بتلقائية حتى لو لم يعبروا عنها بصراحة، لكن الرسالة (السلبية) تصل الى الضحية بأقوى وأوضح ما يكون.

وبطبيعة الحال، تكون نتيجة اتباع هذا الأسلوب في التعامل إنتاج جيل من المحبطين، ذوي أهداف ضحلة واهتمامات هزيلة، " لاتُسمن ولا تُغني من جوع"، بل ربما يعيشون بدون أهداف وبدون إبداعات مع ضعف واضح في الإنتاجية. والأدهى من ذلك أن تصبح أهدافهم منحرفة، وابداعاتهم تميل إلى الطريق المعاكس، وإنتاجهم يتحول الى عكس متطلبات مبادئ التربية الحميدة وضد ما تريده أنت ويطلبه المجتمع.

وكنتيجة لذلك، يصبحون عالة على أسرهم وعلى مجتمعهم، وتصبح الأسرة والمجتمع هي التي تنتج لهم ليأكلون، وتفكر لهم ليعشون، وهذه تماما هي استراتيجية انتاج أجيال من المعوقين والعاطلين والمنحرفين، فانظر كيف "تزيد الطين بِلَّة".

الضابط الرابع: اعترافك بإنجازاتهم دليل تواضعك:

من دون شك، إذا تواضع الكبير ونزل في مستواه الى مستوى من دونه، فيتفهم ما يقدمون مهما كان مستوى الضعف فيها، فيبين الخلل ونقاط الضعف بأسلوب محبب ومهذب، ثم يشجع ويحفز لمزيد من التصحيح والإنجاز السليم، فهذا دليل صريح على تواضعه وحسن أدبه وأخلاقه الرفيعة التي تعكس قدر مسئوليته التربوية والتعليمية.

وعلى العكس من ذلك، فإن التعالي على البسطاء وخاصة ممن يقعون تحت مسئوليتنا، لهو دليل على ضعف في الأخلاق والإيمان، أما عن نتائجه التربوية فتكون عواقبها وخيمة.

والأسوأ من ذلك التعالي على إنجازات الكبار من الأقران والزملاء ومن هم في مستوى أعلى من مستوانا، فعدم الاعتراف بإنجازاتهم وعدم قبولها والتسليم بها، تحمل معاني هائلة من الغرور وربما الحسد والغيرة.

يتبع ( 3/ 3 )

________________________________
المزيد من المقالات على موقعنا الرسمي https://drmnatiah.com/


الإنجاز - التحفيز -التشجيع -التربية - الإحباط - د. محمد ناجي عطية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع