مدونة د. محمد ناجي عطية


معضلة صعوبة الاعتراف بالإنجازات وضعف تحفيز الآخرين! (3 /3)

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


07/10/2021 القراءات: 2312  


معضلة صعوبة الاعتراف بالإنجازات وضعف تحفيز الآخرين! (3 /3)

في الحلقة السابقة استعرضنا بعض الضوابط في التربية والمتعلقة بالاعتراف بإنجازات الآخرين مهما كان حجمها ثم تشجيعها والاحتفاء بها، وخطورة إهمالها وعدم التفاعل معها على الروح المعنوية لمن يقعون تحت عنايتنا. وفي هذه الحلقة نستعرض بعض الأمثلة التطبيقية لتوضيح أثر الاعتراف بإنجازاتهم وتشجيعها سواء إيجابا أو سلبا.

مثال على التربية الإيجابية:

ابنك يجتهد فيحِل واجبه المنزلي لمادة الرياضيات وينال درجة كاملة من قبل المعلم. هذا الإنجاز بالنسبة للمعلم ولك أيضا أمر يسير للغاية وقد يكون تافه عندكم، لكن بالنسبة للطالب يعتبره إنجازا غير عادي بما يتناسب مع طريقة تفكيره ومقدار جهده وتوقعاته. وفي هذه الحالة الولد يتوقع من المعلم الاعتراف بإنجازه وتقديره بالثناء والشكر من باب التشجيع والتحفيز. فإذا حصل هذا يأتي ليبشرك بكل فرح وسرور، وهو يتوقع منك (أنت أيضا) هذين الأمرين الاعتراف بالإنجاز ثم الثناء والشكر. وأيضا يتوقع نفس الشيء من الجميع، من الأم ومن الأخ والزميل والصديق، ويكمن السر في ذلك أنه يعتبره حق مكتسب يستحقه كونه إنسان بذل مجهودا ونجح فيه، فهو يرى أنه يستحق الإشادة والتكريم من الجميع، وهو الموقف الذي يجب أن يكون.

وتجدر الإشارة، أننا إذا دققنا في الأمر سنجده لا يكلفنا أي شيء البتة، فقط يحتاج (كلمة طيبة) يصاحبها مشاعر حانية ناشئة عن الشعور بالمسؤولية والخلق الرفيع والتواضع مع هذا الطالب وأمثاله، والنزول الى مستوى طموحاتهم وتوقعاتهم.

مثال على التربية السلبية:

فإذا لم يُعطِ المعلم هذا الإنجاز الاهتمام المتوقع، تحت مبرر أنه هذا أمر روتينيا، وهو من السهولة بما لا يستحق معه الإشادة. فهنا يكون المعلم قد وقع الفخ الأول وهو عدم الاعتراف بالإنجاز مع بساطته، كما تقدم في الضوابط، وربما صاحب ذلك الوقوع في فخ آخر وهو التعالي الناشئ عن معضلة مقارنة مستوى الطالب بمستواه. وقد يقع في فخ ثالث في حالة التمادي بالنقد اللاذع والسخرية المقيتة التي ربما تقوده إلى التنقيب عن أخطاء وقع فيها الطالب، وكل ذلك ليبرهن المعلم على تفاهة هذا الإنجاز. وكنتيجة لذلك، يُصاب بالصدمة من هذا العمل غير المتوقع تربويا، فهو يعتبره تصرفا ظالما وهضما لحقه المشروع، وهو ما نعنيه بالسلوك غير المسئول.

وناهيك عن ذلك، إذا وصل الطالب الى أبيه، فتجده محتارا في ماذا يعرض له، هل يشرح إنجازه الذي يعتز فيه ويحتاج إلى التقدير والتشجيع، أم يشكو صدمته وإحباطه من معلمه. فاذا صادف أن قابله الوالد بنفس طريقة المدرس واحتقر عمل الولد واستهان به لنفس مبررات المعلم، أو لم يعط الأمر الاهتمام المتوقع، بل ربما يثني على موقف المدرس بصفته المربي القدير -ومستحيل يخطأ-، فهنا تكون صدمة الطالب صدمتان وتحل عليه الفاجعة مرتان. ومع إدمان مماسة هذا السلوك لعدة مرات، يُغلق عقل الولد، ويبدأ بالتفكير في البحث عن طرق للتمرد على أساليبهم الجائرة وطرقهم المتخلفة.

وتفسيرا لذلك نقول، قد يتحمل الطالب جور المدرس وظلمه بحكم احتكاكه القليل والمؤقت به، لكنه لن يتحمل جور الأب باعتباره سنده والمدافع عنه، ويتوقع أن من مسئولية والده حمايته من هذا العبث وأن يجتهد في البحث عما يعينه على النجاح والإبداع، كما يتوقع منه أن يحل مشكلاته التي تصدر من هذا النوع من المعلمين، ولا يمكن أن يتوقع من أبيه عكس هذا الموقف إلا حينما يصل الى قناعة أن الجميع واقعون في الظلم، ولا خير فيهم.

تنبيه /

قد تكون الأمثلة التي أوردناها أعلاه تحمل نوعا من المبالغة، لكننا قصدنا منها تقريب الصورة وتوضيحها لنبرهن على ما أوردناه في الموضوع، ونعلم جميعا أن تفاصيل الصورة لا تتجلى الا بتقريبها الى أقرب قدر ممكن.
مع اعتقادي الجازم أن ما يحصل في الواقع أخف من هذا بكثير، وإن وجدت نماذج شاذة فليس لها وزن كبير في المجتمع، لكنها مع الأسف موجودة في كل مجتمع وفي كل مجال، وتمارس عملها بكل سوء وربما أسوأ مما عرضناه.

وختاما/

أيها الآباء، أيتها الأمهات، أيها المعلمون، أيها الأزواج أيتها الزوجات أيها المدراء والمسئولون، اعترفوا بإنجازات من حولكم، وشجعوها مهما كانت ضئيلة من وجهة نظركم، حتى تحفزوهم وتدفعوهم للمزيد من الإنجازات والابداعات. واحذروا أن تتحولوا الى معاول هدم لنجاحاتهم وإبداعاتهم وقتل الطموح والآمال في نفوسهم، صغارا كانوا أم كبارا، حينما لا تعترفون بإنجازاتهم وجهودهم وتشجيعها، فضلا عن استخدام أساليب التهكم والسخرية بتلك الجهود ولو كانت متواضعة. فإنكم والحالة هذه تساهمون بقصد أو بغير قصد في خلخلة أسس بناء الأجيال الصالحة التي هي عماد المجتمعات والتي تتكون من الأبناء والطلاب والعمال والموظفين، وحتى الزوجات، والأزواج وكل أفراد المجتمع، فالكثير اليوم يعانون من نفس المعاناة النكدة؛ عدم الاعتراف بإنجازاتهم، وعدم تقديرها وتشجيعها ولو بكلمة (حلوة).

___________________________________________

المزيد من المقالات على موقعنا الرسمي https://drmnatiah.com/


الإنجاز - التحفيز -التشجيع -التربية - الإحباط - د. محمد ناجي عطية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


ابدعتم دكتور بالكتابة, ولكن عندنا نقطقة مهمة لا نلتمس اليها وهي فاقد الشيء لا يعطيه, اذ الطالب احبط من معلمه يكون السبب ليس المعلم فقط بل الادارة وكل ما هو يحيط بالمعلم، واذ احبط الطالب من امه يكون السبب المحيط وكل من حولها من الحماة او الزوج او السلفة او الجارة او او، واذ احبط من والده فيكون السبب هو المحيط ايضا الوضع المادي المدير في العمل او الزحمة في الشوارع او الحالة الصحية، لذلك من وجهة نظري علينا ان نبني جيل لا يتاثر بالمحيط ويؤمن بانه يستطيع مع التجربة والاصرار وليس التعلق بكلمة من انسان ممكن ان يكون محبط اكثر منه. بل نرى الدنيا باعيننا نحن كاشخاص لاننا نعرف ذاتنا وقدراتنا ولا نتاثر باي شخص كان بل ننبسط ونفرح بهذا التشجيع ولا يكون هو المركز للانطلاق والتقدم.....


د. نائلة حداد اشكر لكم تفاعلكم الكريم مع الموضوع ، واقدر ملاحظتكم جدا لقد لفتكم الانتباه الى الظروف الخارجية بالفعل هي مؤثرة خاصة في ظروفنا المعاصرة المعقدة. وهنا اشير الى انكم اشرتم الى الحل في ردكم : "علينا ان نبني جيل لا يتأثر بالمحيط ويؤمن بانه يستطيع مع التجربة والإصرار وليس التعلق بكلمة من انسان ممكن ان يكون محبط اكثر منه. " ، وسؤالي هنا من يقوم بهذا الدور، ومن هو المسئول الأول عن ذلك : قد تقولين انها المدرسة او الاسرة أو المؤسسة ، لكن بظني يبقى الأب هو الرجل الأول الأكثر تأثيرا في تربية الأبناء، خاصة اذا استطاع ان يقنع الأم بنفس الهدف والفكرة وان لا يتنازعان حولها. اذا حصل هذا نستطيع بالفعل بناء رؤية تروية سليمة في اذهاننا ، نربي عليها أبناءنا، فتكون بمثابة الحصن الحصين والجدار المنيع لهم في البيت والشارع والمدرسة، وكذا أمام كارثة العصر ؛الفضاء الالكتروني والعالم الافتراضي برمته. لأن السفينة يجب ان يكون لها ربان ماهر (واحد ) والبقية أعوان ومساعدين (ليس إلا) من وجهة نظري. تحياتي لك .. ومنتظر مزيد من الاثراء