مدونة دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع


من كتابي: "السيوطي مؤرخًا من خلال كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"

دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع (المنهاجي) | Moataz Ahmed Rfaye Zarea


24/12/2020 القراءات: 3160  


الصَّنْعَة التَّارِيخِيَّة عِنْد السُّيُوطِيّ فِي تأرِيخِهِ لِمِصْر الْقَدِيمَة
أخبار مصر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة
بدأ السيوطي كتابه (حُسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) الذي سجّل فيه تاريخ مصر في عهودها المختلفة, فبدأه بذكر المواضع التي ذُكر فيها اسم مصر في القرآن صراحةً وكنايةً ونقل أقوال المؤرخين في هذا الصدد.
نقل السيوطي قول ابن زولاق( ) في- تاريخه - وفيه أن مصر قد ذُكرت في القرآن في ثمانية وعشرين موضعًا( ), ثم عقب السيوطي على ابن زولاق بقوله: "بل أكثر من ثلاثين"( ). وبالمقارنة اتضح لي صحة ما نقله السيوطي عن ابن زولاق في -تاريخه- ( ) وقد نقل عنه بالنص وعزا له ولم يشر إلى مصدره.
بل وجدته قد نقل عنه باللفظ, حتى ترجمة الباب قد نسخها كما صدَّر ابن زولاق بها الباب, وهي بعنوان "ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر في القرآن" وزاد السيوطي قوله: "صريحًا وكناية" مما يدل على عناية السيوطي بنقل النص كما هو من ناحية, ومن ناحية أخرى تأثره بمدرسة المؤرخين في عنايتهم بالنص والنقل الحرفي له دون زيادة أو نقصان أوتصرف.
ولا أعلم ما هو مراد السيوطي من هذا النقل الحرفي والنسخ الترجمي! فوقفت متسائِلاً هل هذا يُعد حُسنًا قد أضافه السيوطي إلى منهجه الخاص؟ أم تُعد ثغرة عميقة قد وقع فيها من خلال سرده التاريخي؟
إلا أن أسئلتي لم تدُم وقتًا طويلاً حيث أجاب عنها السيوطي بنفسه من خلال تسطيره لمنهجه التاريخي خلال كتابه الحُسن في عدة نقاط لا يخلو منها مراده ومغازيه وهي كما يلي:
1- أراد السيوطي أن يتبع مدرسة المؤرخين الأولى في النقل الحرفي.
2- أراد أن يسلك مسلكًا خاصًا في المنهج التاريخي من خلال "التوثيق والنقل والنسخ".
3- أراد أن يحافظ على المادة العلمية من خلال توثيقه لها توثيقًا حرفيًا ونسخًا لتراجمها بعيدًا كل البعد عن الظن في السرقات العلمية أو أن ينسب لنفسه شيًا ليس منه.
وفي الموضع السابق يُفعِل السيوطي صفة "الأمانة والدقة والإتقان" وهي من الصفات المشروطة للمؤرخ؛ فقد عزا الرأي إلى صاحبه وهو ابن زولاق بدقة وأمانة.
ثم بعد ذلك قام السيوطي بسرد الآيات( ) التي ذُكر فيها لفظ مصر صراحًة وكنايًة( ).
وبالمقارنة اتضح لي أنه قد نقلها عن ابن زولاق في تاريخه( ), وأبو عمر الكندي في فضائله( ), وزاد شيئًا يسيرًا.
ثم نقل قول "ابن عباس" في ذكر مصر حيث قال: "سُميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع بالقرآن"؛ فعقب السيوطي على قول ابن عباس بقوله: "بل في اثنى عشر موضعًا أو أكثر"( ).
وبالمقارنة اتضح لي أن السيوطي لم يعزو قول "ابن عباس" إلى مصدره, ثم أنني بالبحث والتنقيب لم أجد هذا الأثر في كتب التفاسير المتاحة لدي؛ ولعل السيوطي قد وجده في الكتب التي كانت تحت يديه والآن هي في حجرة المفقود, واتضح لي أيضًا أن السيوطي لم يُسلِّم لقول الصحابي الجليل, بل قام بالتعقيب عليه مما يدل على أن السيوطي رأى أن هذا الخبر إما ناتج عن خطأ ورد من ناقل قول ابن عباس, أو تصحيف, أو حتى نقد لقول الصحابي نفسه, وهذا يدلل أن السيوطي قد تأثر بصفات المؤرخ الفذ وأهمها "النقد".
ثم ذكر السيوطي لطيفة الكندي( ) - المؤرخ المصري- في قول الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)( ). فقال: فجعل الشام بدوًا وسمى مصر مصراً ومدينة( ).
وبالمقارنة اتضح لي أن السيوطي قد نقل عن الكندي بالنص من كتابه "فضائل مصر المحروسة"( ) دون أن يعقب أو يزيد بل ذكر ذلك من باب الاستدلال.
وفي هذا الموضع يُفعل السيوطي صفة من صفات المؤرخ وهي أن يكون عارفًا بما ينقله من غيره فيضعه في المكان المناسب.
ولم يقف السيوطي عند هذا الحد من نقل الأخبار ومناقشتها, بل قام بالرد على ما نُقل؛ حيث قام بالذب عن مصر مما اشتُهر على ألسنة كثيرٍ من المؤرخين, والقصاصين, وبعض المفسرين الذين فسروا قوله تعالى: (سَأُرِيكُمْ دَارَالْفَاسِقِينَ) أنها مصر؛ فنقل قول ابن الصلاح وغيره حيث قال:" أن ذلك غلطٌ نشأ من تصحيف, وإنما الصحيح هو الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف حيث قالوا: أي"نصيرهم" فصُحف بمصر"( ).
وهنا يظهر لنا جليًا حاسة التحقيق والتدقيق عند السيوطي في الأخبار التي نقلها كثيرٌّ من المؤرخين في كتبهم ولم يعنوا بها عنايةً فائقة.
وبالمقارنة اتضح لي صحة ما نقله السيوطي عن ابن الصلاح لكنه لم يذكر مصدره وبالبحث والتنقيب وجدت كتب التفسير قد نقلته عن ابن الصلاح دون إسناد يذكر( ).
وبعد ما انتهى السيوطي من ذكر المواضع التي ذُكرت فيها مصر صراحةً وكنايةً, ذكر الأثار التي ورد فيها ذكر مصر فاعتمد على كُتبٍ شتىَ منها ما هو تاريخ ومنها ما هو سنة, فمن التاريخ نقل قول أبو القاسم ابن عبد الحكم المؤرخ المصري( ) في كتابه - فتوح مصر- حيث استشهد أبو القاسم بحديث أنس عن النبي أنه قال: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا", ونقل حديث أبي ذر في- صحيح مسلم- حيث قال النبي: "ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط""( ).
وبالمقارنة اتضح لي صحة مانقله السيوطي عن ابن عبد الحكم في فتوحه( ) ووجدته عند ابن زولاق في فضائله( ) ايضاً, وعند المقريزي في خططه( ), وكلاهما لم يعزو السيوطي لهما, ولم يشر إلى مصدرهما.


الصَّنْعَة التَّارِيخِيَّة عِنْد السُّيُوطِيّ فِي تأرِيخِهِ لِمِصْر الْقَدِيمَة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع