مدونة د. جميل مثنى الحبري


تعقيبي على مقال د. عماد عبد اللطيف (ما لم يقله بايدن في خطابه)

د. جميل مثنى الحبري | Jameel Alhipary


21/01/2024 القراءات: 483  



ويتماهى أيضًا مع هذا الخطاب للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تناوله د. عماد عبد اللطيف() بالتحليل، خطابُ وزير خارجيّته أنتوني بلينكن، بخصوص ما أقدمت عليه حركةُ حماس، مُمثّلًا ذلك في ذراعها العسكري (كتائب القسّام)، بالتنسيق مع سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في السابع من أكتوبر 2023م، من اقتحامٍ للعديد من المُستوطنات الإسرائيليّة في مُحيط قطاع غزّة المُحاصر منذ عام 2007م، لما يزيد عن ستة عشر عامًّا، والتغلغل فيها، والاشتباك مع القوّات الإسرائيليّة، أسفرت عن اقتياد العشرات من الضُبّاط والجُنود والمدنيّين الإسرائيليّين إلى غزّة، وأسرهم فيها، في عمليّة خاطفة أُطلقت عليها (طُوفان الأقصى). إذ ألقى بلينكن الخطابَ ذاته، أي بما يتّسق مع خطاب بايدن المُشار إليه آنفًا، على إثر وصوله تلّ أبيب بعد أيّامٍ من وقوع الحادثة. ويبدو أنّ المُلقِّنَ واحدٌ، والتوجّه صادرٌ عن موقف ورؤية ذات مرجعيّة واحدة، فالكفر مِلّةٌ واحدة- إذ وصف الفلسطينيّين المُقاومين بالإرهابيّين، وأنّهم قد اعتدوا على المدنيّين المُسالمين، وقطعوا رقاب الأطفال والشيوخ، واغتصبوا النساء، وارتكبوا الجرائم والمُوبقات، وأنّهم غدروا بهم في يوم إجازتهم، ولم يُراعوا ما يؤدّونه من طقوس دينيّة، وفي قراءتهم التلمود وسِفر التكوين- وكلّ ذلك تمّ على غفلةٍ منهم في بضع ساعات- واصفًا إيّاهم بأنّهم لا يختلفون عن تنظيم داعش، فضلًا عن تصريحه أنّه قد جاء إلى تلّ أبيب بوصفه يهوديًّا، وليس كمسؤول أمريكي فحسب. ممّا دفع بالرئيس رجب طيّب أردوغان إلى الردّ عليه وانتقاده، في يوم تالٍ، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة ما يجري في غزة خاصّة، وفي المحيطين الإقليمي والدولي عامّة، وتحديدًا في ملفوظ خطابه هذا؛ واصفًا إيّاه وإدارة بايدن بالتحيّز والعنصريّة في التعامل مع القضايا العربيّة والإسلاميّة، وأنّه قد تعلّم الدرسَ إزاء تعاطيهم السلبي مع ملف تنظيم (PPK) الإرهابي حدّ وصفه، وما عانته تركيا منذ عقود وما زالت جرّاء هذه السياسة الفجّة. ويتساءل أردوغان، كيف لوزير دولةٍ عُظمى أن يُصرّح بهكذا خطاب؟ مُحاجًّا إيّاه بمنطقه؛ بأنّه إذا كان الأمر كذلك، فبإمكاني أن آتي غزةَ بوصفي مُسلمًا، وليس كرئيس تركيا فحسب، وأتعامل بالمثل! ولكنّ الأمر يقتضي في سياسات الدول وأعرافها، بأن يتمّ مُعالجة هذه المآسي والصراعات بين الأطراف المُتنازعة بالدبلوماسيّة، وبدافع الإنسانيّة- في المقام الأول- لوقف إطلاق النّار والحدّ من استمرار نزيف الدم. فما بالكُ بشعبٍ يُخطّط له، ويُتوعّد- حسب خطابات أمراء الحرب لهذا الكيان الصهيوني- بأن يُباد عن الوجود، وأن يُمسَح من الخارطة، وأن يُقصف بأحدث أنواع الأسلحة وأفظعها وأشدّها فتكًا وإبادة. إذ صرّحت إسرائيل أنّها قد قصفت خلال بضعة أيّام ما يزيد عن أربعة آلاف طن من القنابل، أي ما يُعادل ربع قنبلة نوويّة، التي يبلغُ وزنها حوالي خمسة عشر طنًا، كتلك التي قُصفت بها مدينتا نجازاكي وهيروشيما اليابانيّتين. ولو أنّ هذا الخطاب- المُترجم بالطبع من قِبل المحطّة الناقلة له- كان مسموعًا، ولم يكن مرئيًّا عبر شاشات الفضائيّات، لتبادر إلى ذهن السامع مُنذ أول وهلة أن المتكلم- مُلقي هذا الخطاب- قد يكون بنيامين نتنياهو أو بن غيتس أو بتسلئيل سموتريتش أو بن غفير أو أحد قادة هذا الكيان الصهيوني الغاصب. ولم يقتصر هذا الخطاب على وزير الخارجيّة، وإنّما طاوعه واتّسق معه أيضًا، خطاب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الذي قطع زيارته لبعض الدول الأوروبيّة، متوجّهًا صوب تلّ أبيب لمواساتهم. وقد أدلى بخطابه في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الإسرائيلي يوهاف جلنت في 13 أكتوبر، مُعربًا فيه عن مُؤازرتهم والوقوف إلى جانبهم في هذه الظروف العصيبة حسب تعبيره، وإن خفتتْ حدّة خطابه عن خطاب بلينكن المُتباكي. ولعلّ هذا الخطاب يشمل المنظومة السياسيّة الأمريكيّة في عهودها السابقة والحاليّة، بالارتهان في سياساتها وقراراتها للوبي الصهيوني المُستحوذ على دوائر صنع القرار السياسي وعلى صُنّاعه في أمريكا، لا سيمّا حينما يتعلّق الأمر بالانتخابات، وفي إبداء هؤلاء الساسة تملّقهم لهذا اللوبي، وفي تنافسهم على تقديم صكوك الولاء والطاعة له، وعلى ما يتّسق مع توجّهات هذا الكيان وإملاءاته، وفي ما يصبُّ في خدمته، وخدمة أجنداتِه ومصالحه. وممّا يدل على ذلك ما صرّح به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يتسابق حاليًّا مع منافسيه من حزبه الجمهوري على الترشّح للانتخابات القادمة أواخر العام القادم 2024م، والذي كان مُتفانيًا إلى حدٍ بالغ في خدمة الكيان، وفي تمرير سياساته في فترة حكمه (2016-2020م)، أبرزها نقله السفارة الأمريكية من تلّ أبيب إلى القدس، تمهيدًا لتهويدها، وفي تمرير صفقة القرن بالتواطؤ مع المُتصهينين من حكّام العرب. إذ أدلى بأنّه طالما حذّر من خطورة الأمر وتفاقمه، يقصد حماس، وأنّ المواجهة لا تقتصر ضدّها فحسب، وإنّما ضدّ قوّة كبيرة، في إشارة إلى إيران وأذرعها في المنطقة. ناهيك عمّا ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مبنى الكنيست اليوم، لإقرار الحرب- والذي أقلّ ما يمكن وصفه بأنّه خطاب مذابح وإبادة- وبتصويت جميع أعضائه، ورفض أربعةٍ منهم من مُمثّلين الكتلة العربيّة، أبرزهم أحمد الطيبي. فاللُّغة هي ذاتُها، والنُّواح والتباكي هو ذاته ما حمله الخطابان، وما ساقاه من مُبرّرات وحِجَج. بل إنّ هذا الأخير- أي نتنياهو- قد وصف يوم 7 أكتوبر بأنّه يومٌ أسود، وأنّه لا يقلّ إجرامًا وفظاعةً، على حدّ وصفه، عمّا حدث للإسرائيليين في الهولوكوست إبّان النازيّة على يد هتلر.
ومن العجيب أن يصُدر ملفوظ خطاب بلينكن- وما يحمله ويتضمّنه من تضليلٍ وادّعاءات مُزيّفة ضدّ الفلسطينيّين المُدافعين عن أرضهم وحقوقهم وكرامتهم دفاعًا مشروعًا- عن وزير خارجيّة دولةٍ عظمى تدّعي أنّها راعية السلام، وحامية الديمقراطيّة، ومعنيّة بحقوق الإنسان، مُصدّعةً رؤوسنا بذلك، متشدّقة به صباحًا ومساء، في الوقت الذي تراجعت
يتبع


بايدن، طوفان الأقصى، إسرائيل.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع