مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
28/12/2022 القراءات: 694
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
لقد ساءنا تحريف المحرِّفين لمعاني كلام رب العالمين، وللنتائج الخاطئة التي خرجوا بها منها، والأحكام الباطلة التي بنوها عليها، كما أزعجنا ازدياد نسبة هذه التحريفات في هذا الزمان، وشمولها لآيات ذات أبعاد شتى، سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية.
وقد قرأنا عن مفاهيم لبعضهم زعموها قرآنية مستمدة من القرآن، كما سمعنا كلاماً كثيراً أورد فيه أصحابه مفاهيم ومعاني زعموها قرآنية، مستمدَّة من آيات معينة، وقَبِل بعض الناس بهذا التحريف، وهذه النتائج والمفاهيم.
وحرصاً منّا على بقاء مفاهيم القرآن كما هي في كتاب الله، وعلى الفهم الصحيح لآيات القرآن، وقياماً منّا بواجب الحراسة على حسن الفهم للقرآن، وواجب الدعوة إلى الله والنصح للمسلمين، وواجب تقديم العلم الذي نراه نافعاً للآخرين، فإننا سنورد نماذج حرَّفوها، واستنبطوا منها أحكاماً ومفاهيم زعموها قرآنية.
سنورد الآية، ثم نذكر ما استنبطه منها هؤلاء، ووجه استدلالهم بها، حتى نقرر حجتهم ونورد شواهدهم -من باب العلمية والمنهجية والموضوعية- ثم نبين المعنى الصحيح الذي تدل عليه الآية، كما هو مستمدّ منها نفسها، ومن السياق الذي وردت فيه، ومن بيان القرآن لحقائقها في الآيات الأخرى، ومن فهم الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة لها -إن صح النقل عنهم في ذلك-.
ومن الله نستمدّ العون والتوفيق والفهم والسداد، وإليه وحده نتوجه بهذا العمل، راجين مرضاته وثوابه: ✍️{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
هذه آيةٌ كريمةٌ، اعتمد عليها الكسالى والقاعدون والمقصرون والجبناء في عدم القيام بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واعتبروها تقدم لهم عذراً في القعود، ورخصةً في عدم القيام بالواجب، و" فتوى " قرآنية تبرِّر لهم ما هم فيه!
معنى الآية عند هؤلاء المحرِّفين: إنها تجيز لكل مسلم أن يعود إلى نفسه وأن يلزمها بالطاعة والعبادة والذكر. وأن يبتعد هو عن المحرمات والمعاصي.
فإذا فعل هذا فقد أدّى الواجب الذي يريده الله منه. ولا يجب عليه -بل غير مطلوب منه- أن يدعو الآخرين إلى الله، وأن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. إن الآية تقول لكل مسلم: عليك نفسك، أصلحها وأبعدها عن المعاصي، ودع غيرك ولا تَدْعُه إلى الله، وهو لا يضرك، ولا يؤثر عليك بضلاله، ألستَ عابداً؟ ألست تاركاً للمعاصي؟ إذن أنت مهتد، ولو لم تخاطب الآخرين.
هذا فهم خاطئ لمعنى الآية، بل قَلْبٌ له، وإتيانٌ بعكسه. وفي هذه المناسبة نقول:
قد يقعد بعض المسلمين عن أداء الواجب، وقد يفرِّطون في بعض الأوامر، وقد يرتكبون بعض المحظورات، وهذا حرام، وفيه إثمٌ ووعيدٌ بالعذاب. لكن الذي يكون إثمه مضاعفاً، وجريمته مزدوجة، وعذابه شديداً أليماً يوم القيامة، هو ذلك الذي يفلسف قعوده عن أداء الواجب، ويبرر مخالفته للأوامر، ويتبجح في ارتكاب الحرام، و " يتعالم " على الإِسلام والقرآن، ويسند مخالفته بآياتٍ من القرآن يحرف معناها، ويلوي أعناقها. إنه يجمع بين الجريمتين: جريمة المخالفة وجريمة التحريف، ويجني إثمين: إثم الخطأ وإثم الافتراء.
ونقدم فيما يلي طائفة من أقوال السلف الصالح في معنى الآية، ونُتْبع ذلك بنظراتٍ لنا فيها بعون الله.
أخرج أصحاب السنن عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس: إنكم تقرأون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. وإنكم تضعونها على غير موضعها. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر، ولم يغيِّروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب ".
وفي روايةٍ أخرى أخرجها ابن جرير الطبري، عن خطبة أبي بكر قال: أيها الناس: إنكم لتتلون آية من كتاب الله، وتَعُدّونها رخصة، واللهِ ما أنزل الله في كتابه أشدّ منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. والله لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنهَونَّ عن المنكر أو ليعمَّنَكم الله منه بعقاب.
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي أمية الشَّعباني قال: أتيت أبا ثعلبة
الخشني رضي الله عنه فقلت له: ما تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قال:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيراً. لقد سالتُ عنها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مُؤثَرَة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن مِنْ ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن مثلُ القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عملكم ".
وأخرج أحمد عن أبي عامر الأشعري أنه كان فيهم شيء، فاحتبس على رسول الله صلى الله وسلم، ثم أتاه .. فقال: ما حبسك؟ قال: يا رسول الله: قرأتُ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أين ذهبتم؟ إنما هي لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم ".
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة