مدونة ياسر الدالي


دَلَالٌ .. (قِصَّة قصيرة)

ياسر الدالي | Yasser Addali


17/04/2022 القراءات: 2095  


دلالٌ ..

أعلمُ أنّ قدومَه في موعده المنتظم أمرٌ لن يحدث الليلة، هكذا كان حدسي يقول، جلستُ له كطفلٍ مدلّلٍ يتوسّل لعبته المفضلة بين يدي أمه، ترجّوته أن يشفق على رأسي المتكوِّر المثقل بملفاتٍ أخذتْ نصيبًا غير معتادٍ من التقليب والحذف والإضافة، لقد صار عبئًا ثقيلًا على جسدٍ هو الآخر أمضى نهاره يمثّل دوره كدعامةٍ متحركةٍ تنفذ توجيهاته التي لا تقبل الرفض، حاولتُ مداراته، لم أفلح، فتحت بيني وبينه خط مفاوضاتٍ كانت له اليد الطولى فيها، كان مطلبي الوحيد هو أن يقبل ولو حتى بزيارةٍ خفيفةٍ ترحل بي نحو البعيد، تدخلني في عالمه المريح، لا بأس بخربشاته ولقطاته الفوتوغرافية المتداخلة في أروقة المستقبل المأزوم، أو الماضي المشنوق على عتبات الحاضر الكريه، لا بأس بسقطةٍ تهوي بي من شرفة جبلٍ مطليٍّ بزيوت السنين الغابرة، لا بأس بذلك كله، لن أكون طمِعًا هذه الليلة، سأقبل بإملاءاته السخيفة لأني ما عدتُ أطيق جفاءه، استلقيت كعادتي كل ليلة، انتظرته، أقفلتُ عيوني استعدادًا لغفوة البدء المأمولة، بدأت أسمعُ أزيز حوّاماتٍ ملعونةٍ قادمةٍ من المجهول ترتطم برأسي، استيقظت هواجسي من قعرها، صعدت، برزت بمخالبها السوداء، بدأت تحدِث ضجيجًا تسمعه أنفاسي الهادئة، ها هو يقتربُ ويقترب، تختلطُ مساماته الناتئة ببعض حتى بات إزعاجها لا يُحتمل، قطعتُ ذلك كله، فتحتُ عينيّ، غرزتهما في ساعة الحائط المقابلة، لم أسلم منها هي الأخرى، فدقاتها القادمة كعقربٍ يتهادى بجرسه الرتيب على صفيحٍ أبيض، يقترب رويدًا رويدًا، حتى تصبحَ لدغته المميتة مسألة لحظاتٍ لا أكثر، يقلقني ضيقٌ قابعٌ في أعماقي يتربّص بي، لم تخرجْه تأوهاتي ولا زفراتي المتتالية.
بدأ بساطُ الزمن يُطوى شيئًا فشيئًا، ثم بعد ليلةٍ ليلاء ماراثونية الدوران في دهاليز التيه، قرّر أن يرأف بي هذه المرة، بدأتْ ببطءٍ مملٍ إجراءاته الرسمية.. بدأتُ أفقدُ الإحساس بالأشياء من حولي، أذناي تعلنان توقفهما عن العمل وكأن أبوابهما أوصدت، تسدل الجفون ستارها المعهود، طبول قلبي ما عادت تضرب صدري بقوة حيث قررت التماهي بإيقاعٍ خفيفٍ تماشيًا مع الوضع المتشكل، تقرّر أعضائي الراحة فترتخي بأمان معلنةً قدومه، يُقبِل بهدوء، يسحبُ أفكاري إلى مخابئها، يطمرها بصفحةٍ بيضاء ناصعة، لقد أعلن كل ما فيّ الاستسلام له، حتى أدخلني في كهفه الجميل حيث يطيب للأرواح السمو، وللأجساد العبّ من دعةٍ مؤقتةٍ مكتوبة لها منذ الأزل.


دلال .. قصة قصيرة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع