ضياع أحلام .. (قصة قصيرة).
29/12/2021 القراءات: 2521
ضياعُ أحلام..✍️
ياسر الدالي.
من غير ميعادٍ التقينا، أنا لا أعرفه وهو لا يعرفني، ولم نكلّف أنفسنا حتى لحظات تعارفٍ سطحية، جمعتنا لحظاتٌ مشتركةٌ، وهي شرب كوبٍ من الشاي (الملبّن) المشهور في أحد أزقة مدينة الشيخ عثمان، ابتسامةً واحدةً كانت كافيةً لأدخلَ إلى أعماقه ونبش ماضيه القريب الذي ما زال مختبئًا في ذاكرته الحية، وسؤالًا واحدًا كان كفيلًا باستفزاز ذلك الماضي ليتقيّأه أمامي بوجعٍ كبير. عنْوَنَه كمانشيت عريضٍ مثير: (من طالبٍ مهووسٍ بمستقبلٍ علميٍّ مرموقٍ إلى مغتربٍ يتسوّل حلمًا صغيرًا وضعه في الدرجة السفلى من سُلّم أولوياته). سألته عن ماهية ذلك الحلم، فأجاب بابتسامةٍ صغيرةٍ "وهو ينظر إليّ": زواجٌ وبيت. هكذا لخّص مسيرته، تحدّث معي بحرقةٍ كأنني أحد معاريفه، جرّ خيطه الأول مذ كان في المرحلة الثانوية، حيث كان يشقّ بداياته الأولى نحو هدفه، تاركًا اليأس يخور خلفه كثورٍ مذبوح، تقدّم بخطى ثابتةٍ، مستلهمًا من خيوط الشمس جسورًا يعبرها نحو المعالي حتى ضرب مع التميّز موعدًا لم يخلفه، عاش معه أجمل اللحظات حين تخرّج من الكلية، لقد كافح وناضل وسطّر بحبّات عرقه المتلألئة أروع الأمثلة، وشكّل بجهده الذاتي وقودًا لتجارب حياتية صنعت منه رجلًا يستقبل الحياة بعشق . لكنه ما إن تخرّج حتى اصطدم بحائط الواقع المرير، الحائط الذي أحال أحلام الكثير إلى مجرد خربشات، فشهادته الجامعية التي يحملها باتت تشكّل عبئًا ثقيلًا عليه، لم تشفع له عند أرباب الأعمال الذين ظل يطرق أبوابهم لثلاث سنواتٍ متتالية، حتى رماها مؤخرًا بين أثاث منزلهم، ضحك "بسخرية" ثم أردف قائلًا: - لو سألتني حقيقةً أين هي لما وجدتَ إجابةً أكيدةً لسؤالك. كنتُ أصغي لحديثه باهتمام، فطلبتُ كوبين آخرين من الشاي، وتركته ينشر صفحات معاناته أمامي بلغته العفويّة، كانت كلّها غايةً في الكآبة، ألوانها خريفيةٌ صِرفة، تفاصيلها بحيرةُ أحزانٍ عميقة، إلا من رتوشٍ بسيطةٍ إبداعيةٍ تشي بأنها محاولاتُ فنانٍ أراد أن يرسم لوحة حياته، لكنه فقدَ شهيّته في استكمالها كما كان يحلُم، فبات يضفي عليها من وجع الأيام الكثير، ويرشُّها بألوانٍ لا يهواها. حاولتُ أن أصبغَ طابع الحديث بالتفاؤل والأمل، فكان ردّه بتنهيدةٍ جرّها من أعماق أعماقه: (على الله).. تركني وانصرف، وبين جنبيّ غصّة توشك أن تنفجر.
قصة قصيرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
جميل.. ذلك هو الواقع المرير الموثر في الكثير من شباب هذا الجيل
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة