كنت متفوقًا في موضوع التعبير إلا هذه المرة ... قصة قصيرة عايشتها
شحات رجب البقوشي | shahhat ragab albakoshy
04/09/2021 القراءات: 2680
في المرحلة الإعدادية وأذكر أنه في عام 1991م إن لم تخني الذاكرة، وكان عاما ممطرا، طلب معلم اللغة العربية كتابة موضوع بعنوان (في ليلة شاتية) ما أن عرفت العنوان إلا وابتسمت من ثقتي في نفسي وحضور عناصر الموضوع في ذهني.
مر أسبوع ممطر، وجاءت حصة التعبير.
وبكل ثقة كالعادة استأذنت المعلم لأقرأ موضوعي أولا، فأذن لي كالعادة، فقرأت موضوعا طويلا وعريضا شكرني وأعطاني درجتي المعتادة ثم دخلت أنظر لأختي في صف البنات، ولبعض زملائي في صفي الصبيان متباهيا.
وجلست في مكاني لا أعبأ بهؤلاء الذين يجبرهم المعلم على قراءة بضعة الأسطر التي كتبوها خلال الأسبوع.
وكان لي زميل رأيته فاتحا كراسه قلقا يريد قراءة موضوعه لكنه متردد، لاحظ المعلم ما لاحظت.
فطلب منه أن يقرأ الموضوع.
فلا تسألوني كم كان طوله وعرضه، كم عدد صفحاته وكلماته، هل فيه شعر وقصائد، لا أذكر هذا كله، بل لم أنتبه لهذا كله، إنما كان انتباهي للمعنى ونبرة الصوت الصادقة.
قال صديقي ما معناه:
في ليلة شاتية شديدة المطر.
وبيتنا في آخر العزبة بعيد عن الطرق الرئيسة، فلا تستطيع سيارة تصل إليه، ولا نستطيع أن نصل إلى سيارة.
مرض ابن أخي وكان يعاني صعوبة التنفس كأنه يتنفس من ثقب إبرة، ولا دواء في البيت، ولا نسمع إلا صوت المطر والرعد وومضات البرق.
وكلما ازداد الليل ظلمة ازداد المطر شدة، وازدادت حالة الطفل سوء، وازداد أهل البيت بكاء.
ومع قرب الفجر كان اليأس أسبق من ضوئه وصولا إلينا، فقد الجميع الأمل بعدما انقطعت أنفاس الصبي وتركوا الطفل في حضن جدته ونام من نام وانشغل من انشغل لما سيجرى في الصباح.
لكن اليأس لم يستطع هزيمة الجدة، والطفل في حضنها.
نعم بل هي التي غلبت اليأس.
فخرجت قبيل الفجر بحفيدها تلفه بطرف ثيابها، وبعض ما تستتر به من المطر
ثم بدأت رحلة في الظلام من باب بيتها، عبر طريق طيني وتحت رخات المطر، لم يذكر زميلي هل خرجت بحذاء أم حافية.
وبعد مسافة أكثر من كيلو ونصف، تصل إلى الطريق الرئيس وليس عليها في هذا الوقت سيارات أجرة، فرأت من العبث أن تجلس تنتظر سيارة، ورأت أنها تمشي على الأسفلت إلى المستشفى التي على بعد أربعة كيلو مترات، أهون من أن تنتظر، إلى أن تأتي سيارة لا تعرف موعدها.
وبعدما تجاوزت نصف الطريق تقريبا وبلا شك أتعبها المشي في هذه الظروف.
وجدت زوجها من خلفها بالحمار -يبدو أنه قام لصلاة الفجر فلم يجدها فعرف أين وجهتها فلحق بها- حمل الجد حفيده ومضى إلى المستشفى ويرجعا آخر اليوم بالحفيد وقد عافاه الله وشفاه.
صفقنا يومها تصفيقا حارا
وطلب المعلم إعادة القراءة.
ونسيت أنا موضوعي.
وبعد ثلاثين عاما بالتمام، تركت هذه الجدة الحنون دار الدنيا.
استحضرت منذ قليل وأنا في جنازتها قصة موضوع التعبير، فتفقدت الأحفاد ببصري فوقعت عيني على ذلك الحفيد الذي بات شابًا في نحو الثلاثين يبكي جدته دموعًا تتساقط من عينيه على قبر جدته كقطرات المطر التي كانت تتساقط عليها من السماء وهي تحمله في تلك الليلة الشاتية.
قصة قصيرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة