مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


الحقوق الأسرية في الخطاب الإسلامي

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


07/08/2022 القراءات: 2095  


الحقوق الأسرية في الخطاب الإسلامي
الأستاذ المساعد الدكتور وسام نعمت إبراهيم السعدي/ كلية الحقوق - جامعة الموصل / wisamalsaad@uomosul.edu.iq
هناك من لا يرى تقاطع بين الخصوصية والعالمية في منظور الإسلام لان الإسلام في الأصل يستوعب العالمية بكل مكوناتها، حيث يمكن التأكيد على عالمية الإسلام من خلال مبدأ الوحدة الإنسانية، وعلى خلاف التصورات الغربية، فالنصوص المقدسة الإسلامية تنسجم تماماً مع النظام الحالي لحقوق الإنسان على الأقل فيما يتعلق بواحد من الأبعاد الأساسية وهو العالمية.
وإن القرآن الكريم يؤكد ما قرره في خطابه العالمي لكل الناس في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولكن القرآن الكريم في هذه الآية التي تقرر المساواة العامة بين البشر، لا يلغي خصوصيات الشعوب، فهو يقرر بأن الله تعالى جعلهم (شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) ليتعارفوا. وللأسرة في الإسلام مكان جليل، فعلاقة الرجل بالمرأة من آيات الله ونعمه:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، والعاطفة الفطرية بين الرجل والمرأة موجهة لتحقيق السكينة النفسية في علاقة دائمة منظمة تتوثق بالمودة والرحمة، وتتأكد بإنجاب الأولاد وتربيتهم ويكون ذلك بقيام الأسرة، والإسلام يقرر أهمية العلاقة الزوجية وعروتها الوثقى،( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) ،ويقرر مسؤولية المسلم الأسرية ، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ( )، كذلك يلفت القران الكريم إلى اتصال التربية الأسرية بالإصلاح الاجتماعي والوضع الطبيعي للأسرة كخلية في جسم المجتمع ويتمثل ذلك في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) .
وقد جاء الإسلام إلى مجتمع تعتبر القبيلة أساسه وقاعدته، ويجب على الأسرة أن تذوب في كيان القبيلة وتنصهر فيها، فإذ به يركز على الأسرة لا القبيلة، ويفصل في أحكام قيام الرابطة الزوجية أو انتهائها، ويحدد الحقوق والواجبات بين الزوجين والأبوين والأبناء وسائر الأقارب، ويبين أحكام الميراث والوصية، ويؤكد بهذا كله أن المجتمع الإسلامي وحدته الطبيعية الأساسية هي الأسرة وان الأسرة في الإسلام تتمتع بحماية الشرع والدولة. ومن المسلَّمات في علم الاجتماع الإنساني "أن الأمقاصد حماية الأسرة في التصور الإسلامي، إن فلسفة الإسلام في حماية الأسرة تنطلق من مقاصد أساسية أهمها:-
أولاً: تحقيق السكن النفسي للأسرة (للزوج والزوجة):لقوله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) ( ). وإن خلو الأسرة من عنصر (السكن) يعد من أكبر الأسباب التي تعصف بوجود تلك الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى خلخلة المجتمع بأسره.
ويتحقق الأمن والسكن النفسي من خلال الدور التكاملي التفاعلي بين الزوجين وأفراد الأسرة الذي ينشأ في جو من المودة والرحمة.
ثانياً: المحافظة على مقصد الشارع بإيجاد النسل ورعايته: يقول سبحانه وتعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)( )، فالذرية نتاج لهذه العلاقة التي أشارت إليها الآية وربطت بتقوى الله، وذكرت أن الزوجين (والأسرة) تجمعهما وحدة منشأة لقوله سبحانه:(خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا). إن الأسرة هي الطريق الطبيعي والسليم والموافق للفطرة الذي تنشأ منه الذرية، والأسرة هي قاعدة الحياة البشرية وبواسطتها يتحقق مقصد "الحفاظ على النوع الإنساني وصيانته من الانقراض".
ثالثاً: تهذيب الغريزة وتنظيم الطاقة الجنسية: إن حاجة الرجل إلى المرأة، وحاجة المرأة إلى الرجل حاجة فطرية خلقها الله سبحانه في تكوين الإنسان. وقـد أرشد الرسول صـلى الله عليه وسلم الشباب إلى ضرورة المسارعة بالزواج، فإن لم يتيسر لهم ذلك؛ فعليهم بالصـيام لأنه يضعف الغريزة، قال عليه الصلاة والسلام: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" .
رابعاً: حفظ الأنساب: وهذا تابع لحفظ النسل، وهو من الآثار المباشرة للزواج؛ حيث إن القاعدة في النسب المعتبر شرعاً إنما تثبت للنسب الراجع للزواج الشرعي المعروف.
خامساً: القيام بالتربية: يُجمع علماء التربية والاجتماع على أن الأسرة تمثل المؤسسة التربوية الأولى والأساس لتعليم وتربية الناشئة؛ حيث "يبدأ فيها - أي في الأسرة - حياته منذ ولادته، وهي - أي الأسرة - الأداة الأساس في عملية التطبيع الاجتماعي؛ ذلك أن في الأسرة تبدأ عمليات تحويل الوليد الكائن البيولوجي الصغير، ليصبح عضواً في الجماعة الإنسانية، فهي التي توفر عملية التفاعل الاجتماعي الأولى الضروري للتكيف مع ظروف الحياة المختلفة"
وقد تباينت الآراء حول اعتماد الشريعة الإسلامية كمرجعية لحقوق الأسرة فهناك اتجاه يرفض فكرة استبعاد الشريعة من المرجعية، كما يرفض جعل الفكر الغربي مرجعية للتشريع والفكر في قضايا المرأة والأسرة والأحوال الشخصية عموماً، مع الاختلاف في طريقة التعامل مع الفكر الإسلامي في هذا الشأن. وهناك فئة أخرى تعارض جعل الشريعة مرجعية لتشريعات الأسرة.


الحقوق الاسرية / حقوق الانسان/ الخصوصية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع