مدونة بكاري مختار


الدولـة الزيانيـة – الجزء الثالث -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


25/06/2022 القراءات: 1144  


عـلاقة الدولـة الزيانيـة بالمارنيـين غـربا
كان النزاع سيد الموقف في العلاقات بين الطرفين ، فكلما سنحت الفرصة لأحدها استغلها بهدف القضاء على خصمه ، و سبب ذلك النزاع والعداء هو أن كل منهما يعتبر نفسه الوريث الشرعي للموحدين . فالمرينيون سبب أنهم هم من استولى على عاصمتهم مراكش والأندلس ، و بنو زيان فلكونهم كانوا من أخلص مساعديهم و أنصارهم . لكن نظرا لانشغال الزيانيين بمشاريعهم الـداخليـة وبالحفصيـين شـرقا فقـد تمكـن المرينييـون مـن التوسـع شرقـا إلـى أن سقطـت تلمسـان بيدهـم سنـة : 1352 و لم يـرض الزيانـيون سياسـة الأمـر الواقـع ، بـل واصلـوا نشاطهم إلى أن استعادوا عاصمتهم و طردوا المرينيين إلى ما وراء الحدود و كان ذلك سنة: 1359 على يد أبو حمو موسى الثاني و حلفاءه قبائل بنو عامر و حميان . و لما لاحظ الزيانيون تكالب المرينيين و الحفصيين على الجزائر ، عمدوا إلى تدريب الجيش و تقويته حتى غدا أقوى جيش بالمغرب العربي . و بطبيعة الحال هذا لم يرضي الحفصيون ولا المرينيون ، فتحالفوا ضد الدولة الزيانية . فعمدوا إلى إثارة الفتن والاضطرابات في الجزائر استعدادا للهجوم و القضاء على مملكة بني زيان . لكن الزيانيين كانوا لهم بالمرصاد ، فوحدوا كلمة القبائل الجزائرية أولا و من تم توجه شرقا و غربا إلى الحفصيين و المرينيين و أنزل بهم خسائر كبيرة . ففي الشرق تقلص النفوذ الحفصي، وفي الغرب سقطت بيدهم "فاس" ( عاصمة المرينيين ) ومن حينها لم تحاول مراكش المرينية و لا تونس الحفصية التحرش أو الاعتداء على التراب الـجزائـري الـزيانـي .
و مما سبق نستنتج أن السياسة العامة لدول المغرب العربي الثلاث هي سياسة المحافظة على التوازن و عدم السماح لأي منها بالانفراد بالسيادةو السيطرة، و كل محاولة للخروج عن هذه السياسة سرعان ما تجابه و تصد بتحالف بين الدولتين ضدها ، على أن موقع الدولة الزيانية في الوسط . كلفهاالكثير من المتاعب و ألحق بها عدة خسائر و حال بينها و بين الاهتمام بمشاريعها الداخلية و مواجهة القرصنة الأوروبية و اعتداءاتها المتكررة على شواطئ البلاد . كما حال دون قيامها بتقديم مساعدات عسكرية لمسلمي الأندلس الذين كانوا يعـانون فـي تلك الفتـرة من الظلـم و الاضطهـاد الاسبـانـي .
1- عـلاقتهـا بالأنـدلـس :
كانت علاقة الزيانيين بالأندلس طيبة ، و كثيرا جاءت وفود من الأندلس لطلب المساعدات المالية و التأييد المعنوي و العسكري من مماليك المغرب العربي الثلاث .وكانت الدولة الزيانية قد قدمت لهم مساعدات كثيرة مثل: النقود الذهبية ، خيول أصيلة ، ثياب،سلاح وحبوب و ما إلى ذلك و كانت هذه المساعدات السنوية تعد بمثابة مساهمة منها في تحرير الأندلس . إضافة إلى استقبال الزيانيين إلى عدد كبير من المهاجرين فروا من الاضطهاد الاسباني ، و نظرا لموقف الزيانيين من الأندلس فقد ساءت العلاقات بينها و بين اسبانيا ، فانتقم الاسبان بأن قاموا بعـدة تحرشـات علـى سـواحلهـا .
2- عـلاقتهـا بالقـراصنـة :
لقد قام القراصنة الأوروبيين و لاسيما الاسبانيين و الإيطاليين بعدة اعتداءات على شواطئ المغرب، وفنهبوا و استولوا على السفن التي وقعت في قبضتهم كما قاموا بمحاولات لاحتلال بعض الموانئ في الجزائر و المغرب و تونس . و بتكرار اعتداءاتهم على الموانئ الجزائرية مثل: المرسى الكبير و دلس و غيرها، قام الجيش الزياني بحملة كبيرة على سواحل اسبانيا و صقلية انتقاما لما حل بالمسلمين في تلك البقاع ، و مع ذلك استمر القراصنة في مضايقتهم لسواحل المغرب العربي . لذلك غير الزيانيون أسلوبهم في الدفاع فنظموا الجيش الأمر الذي حال دون احتلال الإسبان للجزائر . مع العلم بأن الإسبان هدموا عدة مساجد و قصور و نهبوا عدة نفائس ، فمن ذلك مثلا أنهم نقلوا من بجاية وحدها ما حمولته 30 سفينة إلى اسبانيا و حطموا قصورها و مساجدها و خربوا حدائقها و حماماتها . و لما تكالبت الأساطيل الأوروبيـة وخاصـة منهـا الاسبانيـة علـى الموانـئ الجزائريـة، حيث قاموا باحتلال المرسى الكبير سنة 1505 ثم وهران سنة 1509 ثم توسع الإسبان في موانئ الجزائر ، فاستولوا على مدينة بجاية بداية سنة 1510 و خضعت لهم عقب ذلك المدن الساحلية الجزائرية مثل : دلس، شرشال ، مستغانم ... و أجبرت الدولة الزيانية على دفـع الجزيـة للدولـة الاسبـانية . وعنـدها شـرع الزيانيـون في توسيـع أسطولهـم البحري و تعـزيزه بـأمـهر المـلاحـين المسلـمين ، و أخـذ الأسطـول الجزائـري يقضـي علـى حركـة القرصنة في البحر . و امتدت هذه الهجمات بظهور البرابسة " القائد عروج و شقشقه خير الدين بربروس " أي ( ذو اللحية الحمراء لأنه كان يخضبها بالحناء ) . اللذان تمكنا من القدوم إلى بجاية و طرد الإسبان منها ، ثم طرد الإيطاليين من جيجل . و لم يهتم البرابسة فقط بالقضاء على الدولة الزيانية و صد هجمات الأساطيل الإسبانية و غيرها على شواطئ البلاد ، بل اهتموا كذلك بالتوسع في الداخل و تم على يدهم القضاء على الدولة الزيانية و توحيد الجزائر تحت سلطتهم بعد أن سقطت تـلمسـان بيدهـم سنـة 1554م .
الحـالة الاقتصاديـة ، الثقافيـة و الاجتماعيـة للدولـة الزيانيـة:
لقد ازدهرت الدولة الزيانية ازدهارا عجيبا في جميع الميادين بالرغم من الأخطار التي داهمتها من الشرق و الغرب و الشمال . فنشطت الزراعة ، التجارة و الصناعة و انتشرت الثقافة و نبغ كثير من الفقهاء و الأدباء و المؤرخين ، فكانت همزة وصل بين أوروبا و أقطار ما وراء الصحراء و ملتقى طلاب العلم من مختلف الأقطار و يمكـن إبـراز ذلـك فيمـا يلـي :


الدولـة الـزيانيـة، تلمسان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع