مدونة دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع


تدوين أهل الصنعة الحديثية للمغازي والسير

دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع | Moataz Ahmed Rfaye Zarea


26/12/2020 القراءات: 2315   الملف المرفق






تدوين أهل الصنعة الحديثية للمغازي والسير
من كتاب "الامام الصالحي ومنهجه في تناول السيرة النبوية
"رسالة علمية"




لـ
الْبَحَّاثةُ الْإسْلَامِيُ
دكتور/ مُعْتَزُ أَحَمْدُ رِفَاعِيُ زَارِعُ
ونِسْبَتُهُ
مُعْتَزُ السيِّريُ الشافعِيُ


تدوين أهل الصنعة الحديثية للسير والمغازي

إن المحدثين هم الذين اهتموا برواية ما أثر عن النبي  ليحفظوه ويدونوه، ولما كانت السيرة النبوية جزءًا من الحديث؛ فقد اهتم المحدثون بتدوين السيرة في كُتبهم حسب شرط كل محدث ومنهجه في التصنيف، فمنهم من اشترط الصحة ومنهم من لم يشترط، لكن على كل حال فإن السيرة عند المحدثين أصحاب أمهات كتب الحديث غير الصحيحين لم يكن فيها الكثير من الضعيف والمنكر والمراسيل والبلاغات كما هو الحال عند كتاب السيرة والمؤرخين، لكن الذي يهمنا الآن هو استعراض السيرة في كتب الحديث.
فالإمام مالك بن أنس (المتوفى: 179هـ) ذكر في الموطأ كتاب صفة النبي( ) وذكر في كتاب الجامع - وهو آخر كتب الموطأ - بعض الأحاديث المتعلقة بالسيرة مثل باب: "أصحاب الصفة"، وباب: "أصحاب بئر معونة"( )، ولكن الملاحظ أن السيرة في الموطأ قليلة جدَّا، ولا عجب في ذلك فهو كتاب فقه وآداب في المقام الأول.
ثم يصنف الإمام البخاري: محمد بن إسماعيل (المتوفى: 256هـ) الجامع الصحيح، واسمه "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله  وسنته وأيامه"( )، وفيه تأخذ السيرة النبوية حيزًا كبيرًا في صحيحه، فهو يستشهد بأحاديث السيرة في كتب الأحكام والآداب والتفسير، فضلًا عن - وهذا هو الأهم - تخصيصه للسيرة كتبًا، وهي على الترتيب الذي وضعه في صحيحه: "كتاب بدء الوحي، وكتاب المناقب، وكتاب فضائل الصحابة، وكتاب مناقب الأنصار، وكتاب المغازي، الذي ختمه بأبواب وفاة النبي ، وباب بعث النبي أسامة بن زيد، وآخر الأبواب: كم غزا النبي ( ).
وواضح مما سبق ثراء السيرة النبوية في صحيح البخاري ثراءً لا يوجد في كتب الأحاديث الأخرى، فضلًا عن توافر شرط الصحة فيها.
أما صحيح، مسلم بن الحجاج القشيري (المتوفى: 261هـ)؛ فالسيرة عنده موجودة في كتبه داخل صحيحه على النحو الذي رتبه، في: كتاب "الجهاد والسير"، وكتاب "الإمارة"، وكتاب "الفضائل" (فضائل النبي  وفضائل الصحابة)( )، والقسم الأكبر من السيرة فيه في كتابي "الفضائل"، و"الجهاد".
والملاحظ أن السيرة عند مسلم تقل في حجمها وأحداثها عما هي عليه في صحيح البخاري، لكن مسلمًا يمتاز بأنه يسرد - عادةً - كل الروايات للحديث في موضع واحد، أما البخاري فقد يقطع الحديث في عدة مواضع من صحيحه، مما يحتاج معه إلى التتبع والاستقصاء( ).
أما سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (المتوفى: 275هـ) فإنه قد ذكر بعض أحداث السيرة في كتاب "الجهاد"( )، وأما ابن ماجه محمد بن يزيد (المتوفى: 273هـ) فقد ذكر بعض أحداث السيرة عرضًا، ويمكن أن نلتمسها في باب "فضائل أصحاب رسول الله "( )، وفي كتاب "الجنائز" في بعض أبوابه، ونحو هذا من الكتب( ).
وأما النسائي: أحمد بن شعيب (المتوفى: 303هـ) فإننا نجد بعض أحداث السيرة في كتاب "الجهاد" وكتاب "البيعة"، وبعض شمائله وصفاته  في كتاب "الزينة"( ).
أما الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة (المتوفى: 279هـ) فقد ساق قدرًا لا بأس به من أحداث السيرة، وذلك في كتاب "المناقب"، وهو آخر كتاب في سننه، فضلًا عن بعض الأحاديث في كتابي "السير" و"فضائل الجهاد"( ).
وعلى كل حال؛ فإن السيرة في السنن الأربعة لا تشغل حيزًا كبيرًا منها، وذلك لطبيعة موضوع هذه السنن؛ فهي في المقام الأول تُعنَى بأحاديث الأحكام والحلال والحرام، كما أنه يجب لفت الانتباه أنه لا يظن أن المواضع السابق ذِكْرها من السنن هي التي يمكن تلمس أحداث السيرة فيها فقط، فهناك أيضًا من أحداث السيرة ما ذكر في أثناء كتب أخرى من هذه السنن، وكذلك من اللافت للنظر أن سنن الترمذي هي أكثر السنن عرضًا لأحداث السيرة( )، ولعل تفسيري لذلك هو تأثر الترمذي بأستاذه وشيخه البخاري في كثرة اعتنائه بالسيرة في صحيحه، وربما كان هذا التأثر هو دافعه لتأليف كتابه: "شمائل النبي ".
ثم بعد ذلك سار المحدثون في الاعتناء بالسيرة من زاوية اهتمامهم بالحديث النبوي؛ فلا يكاد يخلو كتاب حديث من ذِكْر لبعض جوانب السيرة.
ولكن الذي يهمنا الآن أن نذكر كتابين، أولهما: "المستدرك" للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله (المتوفى: 405هـ)؛ فقد ساق في مستدركه هذا جملة كثيرة من أحداث السيرة، فبعد ذِكْره تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، قال: "ذِكْر أخبار سيد المرسلين "، قال تحته: "ذِكْر أخبار سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد الله من وقت ولادته إلى وقت وفاته"( ) ثم أتبعه بـ "كتاب معرفة الصحابة"( ).
وثانيهما: السنن الكبرى للبيهقي: أحمد بن الحسين (المتوفى: 458هـ)؛ فقد احتوى على قدر لا بأس به من أحداث السيرة، وخاصةً في الكتب المتعلقة بالسير، وقتال أهل البغي وقسم الفيء، والغنيمة، ونحو ذلك من الكتب( ).
لكن مما هو جدير بالذِكْر أن البيهقي أفرد السيرة بكتاب جامع شامل، هو كتاب "دلائل النبوة"، وقد نهج فيه نهجًا فريدًا.


تدوين أهل الصنعة الحديثية للمغازي والسير من كتابي: الصنعة المغازية في كتاب سبل الهدى والرشاد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع