مدونة هاشم علوي عبدالله مقيبل


"وقفات مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان"

د . هاشم علوي عبدالله مقيبل | Dr. Hashim alwi abdullah mogaibel


18/12/2021 القراءات: 1174  




في إطار ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نرى أن منطلق تلك الحقوق تمثل النموذج الأخلاقي والفطري للعنصر البشري، والمبني على أصلية تلك الحقوق وارتباطها المباشر بالإنسان باعتباره إنسانا .

وعليه فحقوق الإنسان المقررة اليوم هي عبارة عن مبادئ فطرية لصيقة بالذات الإنسانية، لا يجوز التنازل عنها، ولا يجوز الإعتداء عليها، أو سلبها تحت أي مبرر كان .

ولكن لو تعمقنا قليلا في الأساس الذي اعتمدت عليه البشرية لتحديد تلك الحقوق سواء كانت شخصية أو مدنية أو اجتماعية أو غيرها، لبرزت أمامنا التسآؤلات التالية :

ماهو ذلك الأساس المحدد على وجه الدقة التي اعتمدت عليه تلك الحقوق؟

ما هي المعايير التي تم الاعتماد عليها لحصر تلك الحقوق ؟

في إطار التدرج التاريخي لتطور حقوق الإنسان نرى أن تلك المفاهيم تبلورت في صياغتها الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية، وأول جهد يكاد يوثق تاريخيا في المنحنى التطوري لتلك الحقوق كان ممثلا في إعلان وثيقة المانجا كارتا أو العهد الأعظم عام 1215م، والتي منحت حقوقاً للأفراد، وأخضعت ملك انجلترا لحكم القانون .

نعم وجدت هناك دراسات تربط نشؤ الحريات والحقوق بمبدأ القانون الطبيعي، كونه الأساس التنظيمي الأول للواقع البشري، ولكن القصور الذي يكتنف حقيقة ذلك القانون والخلاف الكبير حول طبيعته لا يعكس لنا جوهر الأساس الذي اعتمد عليه كمرجع لتلك الحقوق .

بعد هذه المقدمة تستمر تلك التساؤلات حول مصدر تلك الحقوق، ومن منطلقنا الشرعي الإسلامي يمكن أن نجد مرجعية دينية تبرز لنا جانب كبير من تلك الحقوق ممثلة في نصوص القرآن الكريم والتي تبين لنا أساس التكوين البشري وما يتصل به من تشريف وتكريم وتمييز .
ولكن نجد أن الكثير ممن ينكرون عظمة الإنتماء للديانة يعترضون وبشدة على هذا التوجه .

ومن وجهة نظرنا - وبعيدا عن نقطة البداية لنشؤ تلك الحقوق - أنه ينبغى على العقلية العالمية عندما سعت لإبراز تلك الحقوق أن تكون متمتعة بالتوسع الفكري والشمولية العامة، فالمشكلة لا تكمن في تقسيمات تلك الحقوق، ولا بيان أنواعها، وإنما تكمن في جعل الحرية أساسا لتلك الحقوق، وجعل أن تلك الرؤية هي الفطرة!!
ومن هذه الجزئية على وجه الخصوص أخذت تلك الجماعة الدولية معول الهدم لكل فكري يخالف هذه الرؤية .

فمنطلق الحرية الفكرية يستلزم على الجماعة المنشئة لتلك الحقوق أن تستوعب كافة الرؤى والأفكار في هذا المجال .

فحرية المعتقد منطلقه عند تلك الجماعة قد يتعارض مع جماعة أخرى، فلا مبرر لالزام الآخرين بتلك التوجهات تحت مبرر الحق الفطري !! وهنا ملمح مهم وهو كون المخالف قد يكون لديه من السعة الفكرية والضوابط ما يفوق على الحق الذي ترى تلك الجماعة أنه فطريا !!

وتخصيصي ذكر هذه الجزئية من أجل الوقوف فعليا على الرؤية العالمية لحقوق الإنسان من منظور بشري وعلى الرؤية العالمية لحقوق الإنسان من منظور اسلامي شرعي عالمي .

لقد تعرض الإسلام للتشويه انطلاقا من هذه الحقوق التي لا يعارضها اصلا، ونسبت إليها من الاتهامات ما لا تعد ولا تحصى، في حين أن الشرع الحنيف قدسعى لتهذيب جزئيات تلك الحقوق، ونظم التعامل بها، وأتاح النظر في بعضها، وشدد الأمر في البعض الآخر .

إننا لا نزايد ولا نتعصب بل نقرر ونتيح للغير أن يقرر ايضا، فلا نسمح أن يتم تشويه سمعة الشرع الحنيف تحت مبرر الحق الإنساني، بل لا يوجد هناك حق انساني فطري سليم يعارضه الشرع الحنيف .

ولن يسعني هنا سرد جزئيات تلك الحقوق وبيان شمولية الشرع لها، وجمال تطبيقه إياها، ولكن أحببت التنبيه على ذلك، وعسى أن يكون في التنبيه خير بيان، والحمد لله رب العالمين "

كتبه :

د/ هاشم بن علوي بن عبدالله مقيبل
أستاذ القانون الدولي والمنظمات الدولية بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأحقاف .


حقوق الانسان - اليوم العالمي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع