مدونة هاشم علوي عبدالله مقيبل


حقوق الإنسان ومرجعيتها الفكرية

د . هاشم علوي عبدالله مقيبل | Dr. Hashim alwi abdullah mogaibel


23/12/2022 القراءات: 566  


*حقوق الإنسان ومرجعيتها الفكرية* (١)

شدني ذلك الخطاب المتشدق عن حقوق الانسان، ذلك الإنسان الذي أصبحنا نعتقد بأنه الكائن الوحيد المتفرد بأحقية البقاء، الساعي لتحقيق العدالة وإثبات الحقوق!!

هذه السفسطة التي تشبعت بها عقليات الكثير من الباحثين في أتون المعركة الحقوقية الانسانية، والتي نرى صداها يتردد على ألسنة منظمات ومنصات ومؤسسات وجدت بغيتها في اللهث والتفتيش في زوايا الحرية والحقوقية الإعلامية.

ان من آثار تراكمات التبعية ومفهوم السياسية الغالبية تشكيل عقليات وجدت بغيتها الأكاديمية في تفتيش ما رُسم لها فقط لا غير، محاولة إعادة قياس مجتمعاتها بما يتناسب مع ثوب الواقعية الحقوقية الغربية ذات الثوابت المصطنعة.

ولذلك وجب علينا خلال هذه الفترة أن ننظر بمنظار تصحيح المسار من خلال اعادة تفسير نظرية حقوق الانسان قبل الحديث عن اشكالية تطبيقها!!

قد يعارضني البعض وقد يتفق معي غيرهم ولكن أن نظل في دوامة التلميع للحقوقية الوهمية ونتائجها المقززة فلا ولا يمكن ذلك.

ولذلك يقول Jacques Maritain الفيلسوف الفرنسي المشهور مقولته المشهورة " ينبغي العودة بعيدًا في الماضي للبحث عن جذور أو بذرة الفضيلة الأولى للأفكار التي تحكم العالم اليوم"
ومن هنا يمكننا القول أن طرح موضوع الحديث عن مفهوم وحقيقة حقوق الانسان ومبرراتها ومناقشتها من المواضيع التي لا يمكن في أيامنا تقبلها بسهولة أو حتى تخيلها لدى جزء لا بأس به من البشر. يمكنك طبعًا مناقشتها بِنية المزيد من حقوق الإنسان، أما أن تتطرق لأسس وجودها في المقام الأول فهذا يعني أنك قد بلغت قمة الهرطقة بالمعنى المعاصر!!

وهنا تثار التساؤلات التالية:
هل حقوق الانسان فطرية ام مكتسبة؟
وهل هي حق الهي للبشر؟ ام لا؟
وما هي معاييرها؟ وهل هي محل اتفاق؟
وهل يلزم بها الجميع؟ وهل هم متساوون فيها؟
وهل تختلف باختلاف الزمان والمكان؟ وهل يلزم بها الاخرون عند الاختلاف؟
وهل حقوق الانسان تمثل حقوقا جماعية ام فردية؟
وما العلاقة بين الحرية والمسؤولية؟

من خلال هذه التساؤلات نقدر أن نشخص جزءا من مشكلة حقوق الانسان لا أن نسعى لبيان اشكالية تطبيقها !!

ان بلورة فكرة الحق الانساني قبل معرفة وعاء ذلك الحق يعد تجاوزا غير مغفور في العالم الفكري، وبالتالي فالانسانية هي نقطة الانطلاق لمعرفة ما يترتب عليها من حقوق، ومن هنا يمكننا القول ان تعظيم الإنسان والنظر اليه بمنظار التسخير والخلق والمقاصدية هي الخطوة الأولى لتصحيح المسار الفكري والتأصيلي للحق الإنساني .

فالبعد المقاصدي لحقوق الإنسان والعلاقة ونوع الارتباط بين المقاصد والحقوق هي المفتاح الأساسي لتأصيل نوعية تلك الحقوق، فحقوق من غير مقاصد ما هي إلا أوهام في صورة حقوق.

ولذلك يقول الدكتور نور الدين الخادمي في كتابه حقوق الانسان مقاصد الشريعة

" ورغم أن حقوق الإنسان تفتقر إلى بعض المرتكزات الثابتة والأهداف الواضحة، إلا أنها تتفق مع مقاصد الشريعة بل وتستمد منها بشكل مباشر أو غير مباشر، “فالمقاصد الشرعية إطار فكري معرفي إسلامي تتأطر فيه الحقوق الإنسانية، وتتفرع عنه تفصيلاتها، وتُعالج بموجبه مشكلاتها، وتُرسم على وفقه مآلاتها وآفاقها”، والحق أن هذا الأمر ينبغي أن يدفعنا إلى العمل الجاد حتى تصبح المقاصد -نظرياً وعملياً- إطاراً شرعياً مرجعياً لحقوق الإنسان بكل أبعادها وقضاياها وتطوراتها.

ومن النص السابق نعلم ان الحق الانسان يجب ان يرتبط بمقصد وجودا وعدما، وهذه المقاصد يمكن تأطيرها بالنظر للمرجعية الشرعية ومفهوم الكليات الخمس.

ونجد ان هذا التأصيل الهام هو جوهر الخلاف اليوم بين دعاة حقوق الانسان وميثاقه الأممي وبين الحق الإنساني الشرعي الإسلامي المقاصدي، ومحل الاختلاف الفعلي ليس في تعددية الحقوق وأنواعها فالجميع يتفقون عليها، ولكن فيما يبني على فكرة حقوق الإنسان من تأطير كليات جديدة منها ما يوسم بكلية الحرية، وكلية حفظ البيئة، وكلية حفظ العدالة والقيم الأخلاقية… وهلم جر...

ولنبسط الحديث الان عن مفهوم الحرية الحقوقية كونها اصبحت تشكل اليوم حجر الزاوية الحقوقية ومقصد الدعاة اليها…

نكمل ان شاءالله في الجزء الثاني من المنشور....

كتبه/
المستشار .د/هاشم علوي عبدالله مقيبل
استاذ القانون الدولي والمنظمات الدولية بكلية الشريعة والقانون جامعة الأحقاف.


حقوق الانسان - المرجعية الفكرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع